بعد مخاضات عسيرة وطويلة، شهدتها الكواليس والاروقة السياسية المختلفة في العاصمة بغداد واربيل والسليمانية وربما النجف الاشرف، صوت البرلمان العراقي لصالح القياددي في الاتحاد الوطني الكردستاني والوزير السابق عبد اللطيف رشيد ليكون الرئيس الخامس للعراق منذ الاطاحة بنظام صدام في ربيع عام 2003، بعدد كل من الزعيم القبلي غازي الياور(2004-2005)، والامين العام للاتحاد الوطني الكردستاني الراحل جلال الطالباني (2005-2014)، والقيادي في الاتحاد فؤاد معصوم (2014-2018)، ومن ثم القيادي المنشق عن الاتحاد والعائد له فيما بعد برهم صالح(2018-2022).
وحظي رشيد البالغ من العمر (78) عاما في الجولة الثانية من التنافس مع الرئيس الحالي برهم صالح بتصويت مائة وثمانين نائبا يمثلون كتل الحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة وبعض قوى الاطار التنسيقي، وابرزها كتلة ائتلاف دولة القانون بزعامة رئيس الوزراء الاسبق نوري المالكي، وعدد من المستقلين والكتل الصغيرة.
ولم يفلح اي من المرشحين البالغ عددهم واحد واربعين مرشحا في الحصول على اغلبية ثلثي اصوات اعضاء البرلمان في الجولة الاولى, لذا ذهب الفائزين الاول والثاني، عبد اللطيف رشيد الحاصل على 159 صوتا, وبرهم صالح الحاصل على 99 صوتا، لخوض جولة ثانية، اسفرت عن نيل رشيد 162 صوتا في مقابل حصول صالح على 99 صوتا من المجموع الكلي لاعضاء البرلمان المشاركين بعملية التصويت والبالغ عددهم 269 نائبا.
وكانت فرص رشيد للظفر بمنصب رئيس الجمهورية, قد تعززت بعد سحب الحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني مرشحه للمنصب، وزير الداخلية في حكومة الاقليم ريبر احمد، واعلانه دعم رشيد، في خطوة واضحة لقطع الطريق امام رئيس الجمهورية المنتهية ولايته برهم صالح من البقاء لولاية ثانية، علما انه كان المرشح الوحيد من قبل الاتحاد الوطني.
ويعد عبد اللطيف رشيد، الحاصل على شهادة الدكتوراة في هندسة الموارد المائية من جامعة مانشستر البريطانية، من الشخصيات القيادية المخضرمة في الاتحاد الوطني الكردستاني، اذ انه رافق الراحل جلال الطالباني وعمل معه في مختلف مراحل ومحطات مسيرة الاتحاد الوطني الكردستاني الذي تأسس عام 1975، بل وحتى قبل تأسيس الاتحاد. الى جانب ذلك فأن علاقة عائلية تربط رشيد بالطالباني، حيث انهما متزوجان من شاناز احمد وهيرو احمد، ابنتي القيادي الكردي الراحل ابراهيم احمد.
ورغم الكثير من الصراعات والخلافات التاريخية الطويلة بين الحزب الديمقراطي الكردستاني والاتحاد الوطني الكردستاني، الا ان رشيد حافظ على شخصيته الهادئة المتسمة بالاعتدال والوسطية والنأي عن التطرف في المواقف والتوجهات على خلاف بعض قيادات الحزبين.
وبعد الاطاحة بنظام صدام، تولى رشيد منصب وزير الموارد المائية منذ عام 2003 وحتى عام 2010، ليعين بعد ذلك في رئاسة الجمهورية بصفة المستشار الاقدم للرئيس.
ومع ان منصب رئاسة الجمهورية في العراق، يعتبر وفق الدستور العراقي النافذ في عام 2005، منصبا رمزيا ذا طابع تشريفاتي، الا انه بحكم الاوضاع والظروف السياسية الاستثنائية في البلاد طيلة العقدين الماضيين، تساهم طبيعة الشخص الذي يتولى المنصب، ومساحات علاقاته مع مختلف الاطراف في حلحلة الازمات، والتقريب بين الفرقاء، وهذا ما بدا واضحا خلال فترة تولي الطالباني للمنصب، منذ عام 2005 حتى مرضه في اواخر عام 2012 ومن ثم وفاته في تشرين الاول-اكتوبر من عام 2017.
وتنص المادة (70) من الدستور العراقي على انه “أولا: ينتخب مجلس النواب من بين المرشحين رئيساً للجمهورية بأغلبية ثلثي عدد أعضائه.
ثانياً: إذا لم يحصل أي من المرشحين على الأغلبية المطلوبة يتم التنافس بين المرشحين الحاصلين على اكبر عدد من الأصوات ويعلن رئيساً من يحصل على أكثرية الأصوات في الاقتراع الثاني”.
وبعد ذلك مباشرة, كلف رشيد، مرشح الكتلة البرلمانية الاكبر المتمثلة بالاطار التنسيقي، وهو الوزير السابق محمد شياع السوداني بتشكيل الحكومة الجديدة خلال مدة لاتتجاوز الثلاثين يوما.
وتحدد المادة (76) من الدستور اليات وسياقات تشكيل الحكومة والبدائل في حال فشل مرشح الكتل الاكبر بمهتمه، اذ انها تشير الى انه:
أولا: يكلف رئيس الجمهورية مرشح الكتلة النيابية الأكثر عددا بتشكيل مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية.
ثانيا: يتولى رئيس مجلس الوزراء المكلف تسمية أعضاء وزارته خلال مدة أقصاها ثلاثون يوما من تاريخ التكليف.
ثالثا: يكلف رئيس الجمهورية مرشحا جديدا لرئاسة مجلس الوزراء خلال خمسة عشر يوما عند إخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة خلال المدة المنصوص عليها في البند “ثانيا” من هذه المادة.
رابعا: يعرض رئيس مجلس الوزراء المكلف أسماء أعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب، ويعد حائزا ثقتها عند الموافقة على الوزراء منفردين والمنهاج الوزاري، بالأغلبية المطلقة.
خامسا: يتولى رئيس الجمهورية تكليف مرشح آخر بتشكيل الوزارة خلال خمسة عشر يوما في حالة عدم نيل الوزارة الثقة”.
ويتوقع ان ينجح السوداني في تشكيل الحكومة الجديدة خلال المدة المقررة دستوريا، بحكم مقبوليته من شتى الاطراف السياسية، فضلا عن رغبة الجميع في انهاء حالة الجمود السياسي الذي امتد لاكثر من عام، وبات عاملا مهددا للسلم الاهلي والامن المجتمعي.
Discussion about this post