قد سخرت السلطة الآشورية كل جوانب الحياة و منها الفن لخدمة الجانب السياسي الذي دفع بأتجاه تبني السمة العسكرية للدولة الآشورية في مختلف عصورها
فقد جاءت أعمال الفنان الآشوري لتؤكد الطبيعة السياسية التي أنفرد بها الآشوريين و بالغوا في تعاملهم معها ،كما ركز الآشوريون في اعمالهم الفنية على أبراز النتائج الايجابية لعملياتهم العسكرية من خلال أظهار اكبر الخسائر في صفوف العدو، و أستخدم الآشوريون الاعمال الفنية كوسيلة لتنفيذ سياستهم الخارجية،فقد أستخدم الملوك الآشوريون و سائل فنية عديدة لتحرير رسالتهم السياسية من خلال أبراز تفوقهم المبالغ فيه عن طريق أعمالهم الفنية،و أيضا أستخدم الآشوريون الفن كوسيلة من وسائل الحرب النفسية للتأثير في الخصوم عن طريق بث الرعب و الترهيب و التشهير بالعدو بشكل مأساوي،فأصبح الفن ذات طابع (أيديولوجي) بعد هيمنة الدولة الآشورية سياسيا و توسع سلطانها و صارت هذه الهيمنه تشمل كافة نواحي الحياة ،حتى صار الفن الآشوري أحد أهم مصادر معرفتنا المهمة عن الواقع (السياسي – العسكري) الذي أصبح أنعكاسا للواقع،المتمثل بالملك و بلاطه و بقوة الدولة العسكرية،فمثلا صار فن النحت الآشوري سجل حافل بنشاطات الملوك المختلفة في السلم والحرب،وعبر الفن الآشوري عن أشكال التعامل بين الحاكم و المحكوم، كما عبر عن كيفية التعامل مع الاسرى،فقد سجلت المنحوتات الفنية الآشورية معلومات غزيرة عن المقابلات الرسمية و الدبلوماسية و حفلات البلاط و حملات الصيد و الحرب و آداء الشعائر الدينية
و ان أهم مميزات المواضيع المرسومة على المنحوتات الفنية للملوك الآشوريين و خاصة ما يتعلق منها بالجانب السياسي هي:
عنصر المبالغة في أستخدام القوة ضد أعدائهم و القوة المتناهية في معاملة الأسرى،و المبالغة في أرقام الخسائر بالنسبة للجانب المعادي من قتلى و أسرى،ولم يتطرقوا الى خسائرهم،وبالغوا في سرد ألقاب الملوك و مدى شجاعتهم و عظمتهم و غلب عليها عدم الصراحة ،كما أحتفظوا بالنصر لأنفسهم في كل المعارك التي خاضوها،و يبدو أنهم كانوا يرمون من وراء ذلك نشر دعاية أعلامية الغاية منها تثبيت أركان سلطتهم من خلال زرع روح الخوف و الرهبة في صفوف أعدائهم لأخماد نار الثورة و العصيان ضد السلطة الآشورية، بدليل أن مشاهد الرسوم قد وضعت في الاماكن التي أستخدمت لأستقبال الملوك و السفراء الوافدين من الاقاليم التابعة لسلطان الدولة الآشورية
فالحرب النفسية التي أستخدمها الآشوريون ضد أعدائهم و التي بدت واضحة من خلال منحوتاتهم الحربية هي نوع من الرسائل السياسية الاعلامية التي قصدوا من خلالها أحداث تغيير في السلوك العام لأعدائهم بسبب الهالة الكبيرة التي أستخدموها في وصف قوتهم (السياسية- العسكرية) و نتائجها الوخيمة على أعدائهم متى ما فكروا بالعدوان عليهم أو متى ما فكرت الاقوام المنضوية تحت سلطانهم بالانفصال عن سيطرتهم المركزية،
لذلك أندفع الآشوريون نحو الغلو في أستخدام القوة و الصرامة التي بدت واضحة في رسومهم الفنية ذات المضمون السياسي و التي برزت خلال عصرهم الحديث(911-612 ق0م)،اذ أن التطورات السياسية في العصر الآشوري الحديث قد أثرت على الفن لاسيما و أن الفن التشكيلي الآشوري كان ذو فكرة تسعى الى بناء مثل عليا للرجولة و قد تمثلت تلك المثل بالملك المنتصر الملك الاسطوري الملك القاهر الملك الزوج ذو القدرة ،ففي كل التكوينات الفنية سواء أكانت نحتا مجسما أو بارزا أكد الفنان الاشوري في تعبيره عن البطش و القوة بشكل غير مألوف ،و هذا واضح في أبراز العضلات و تصفيف الشعر الطويل و الكثيف
لقد تأثر الفن الآشوري بالتغيرات الهامة التي حدثت في منطقة الشرق الادنى القديم بسبب التقلبات و التغيرات السياسية و العسكرية التي أنعكست على هذا الفن و خصوصا في العصر الآشوري الحديث
و أن أهم ما أمتازت به فنون العصر الآشوري الحديث يتلخص بما يلي:
1- صياغتها الدنيوية،اذ أنها لم تحفل بتمثيل الطقوس الدينية و لم تجعلها مسخرة للآلهة بل أنها ركزت بشكل عام على عظمة أعمال الملوك الآشوريين
2- تولد طغيان مثلته مشاهد الحرب و الصيد و الشؤون الملكية الأخرى ،كحصار المدن و دك الحصون و تهجير السكان و سوق الأسرى و التمثيل بهم
3- نحت تماثيل الملوك بملامح الصرامة و الشدة التي تنم عن شخصية الحاكم السياسي – العسكري المجرد من الاحاسيس الانسانية الذي يعكس الارادة الملكية و دورها في تفعيل السلطة الحازمة التي تقبض على الامور بيد من حديد ،لهذا فقد تم نحت سمات وجوه الملوك بمسحة القوة المفرطة و الجبروت العنيد و النظرة المتعالية للتدليل على سمة البطولة الحربية لشخصية الملك الذي رافقته رموز السلطة مثل الصولجان و السيف المعقوف في كثير من الاحيان
4- المبالغة في الثشريح العضلي للساعدين للتدليل على عظمة شخصية الملك كونه حاكما سياسيا فذا و محاربا قويا و فاتحا مغوارا
5- أستخدم الاشوريين الدعاية الدينية للحصول على مكاسب سياسية فقد عثر على نحت بارز يعود للملك (آشور بانيبال) يمثل رسم الملك و هو في لباسه الملكي و قد حمل على رأسه سلة مملوءة بالتراب للقيام بطقس صب الآجرة الأولى التي أستخدمت في بناء معبد (الايساكيلا)،و يبدو من خلال هذا النحت أن الملك الآشوري قد أستخدم الدعاية الدينية المبطنة بالنوايا السياسية
و خلاصة القول فأن الفن الآشوري في العصر الحديث لم يكن منقطعا عن التقاليد الفنية لبلاد الرافدين بل هو وليد عوامل متعددة ساهمت في بلورته أهمها الواقع السياسي لبلاد آشور
كما ان أهمية الفن الآشوري لا تنحصر في قيمته الجمالية بل في ما يقدمه من معلومات تأريخية مهمة لا يتسنى لنا الحصول عليها من مصادر أخرى
و أيضا كان الطابع العام للفن الآشوري خاضعا لهيمنة الدولة و هذا ما جعل وظيفته الاساسية هي خدمة البلاط من خلال ما يقدمه ذلك الفن من دعاية و توثيق و ترويج لنشاطات الملوك و أعمالهم سواء السياسية أو الحربية أو المدنية في حالات السلم.
Discussion about this post