أقدم النظام المغربي مؤخرًا على إبرام صفقة ضخمة مع شركة صناعات الفضاء الإسرائيلية IAIبقيمة 500 مليون دولار لشراء منظومات دفاعية حديثة (نظام الدفاع الجوي والصاروخي “باراك إم إكس” )من الكيان الصهيوني .ويتميز نظام الدفاع الصاروخي “باراك إم إكس” بالمرونة والوحدات ويمكنه الحماية من مجموعة من التهديدات الصاروخية والمركبات الجوية غير المأهولة (الطائرات بدون طيار).
ميزات هذا النظام الصاروخي الدفاعي
ويوفرهذا النظام إدارة ثلاثة أنواع من الاعتراضات من عائلة باراك التابعة لشركة الصناعات الجوية الإسرائيلية، “باراك مراد” هو محرك صاروخي ذو نبضة واحدة والذي يعترض الصواريخ التي يصل مداها إلى 35 كيلومترا، و”باراك لراد”هو محرك صاروخي ثنائي النبض، يعترض صواريخ يصل مداها إلى 70 كيلومترًا، ومحرك صاروخي ثنائي النبض من طراز “باراك إر” وهو معزز إضافي لمدى يصل إلى 150 كيلومترا.ويتم دعم “باراك إم إكس” بواسطة الرادار وقاذفات مختلفة للحصول على أفضل تغطية للطائرات المقاتلة والمروحيات والطائرات بدون طيار وصواريخ كروز وصواريخ أرض ـ جو وصواريخ أرض ـ أرض.
ونقل موقع “الأيام24” عن صحف إسرائيلية تأكيدها أن الرئيس التنفيذي لشركة IAI بواز ليفي، قام بزيارة المغرب سرا وعرض قدرات أنظمة الدفاع الصاروخي وأغلق تفاصيل الصفقة التي تعد واحدة من أكبر الصفقات منذ توليه منصبه.
كما نقل ذات الموقع عن مصادر عسكرية لم يسمها، أن المغربي الأصل عمر بيريتس رئيس الدفاع الإسرائيلي السابق ورئيس شركة الصناعات الجوية الجديد شارك بعمق في الصفقة.
وسبق أن اشترى المغرب طائرات “هيرون” بدون طيار من IAI وطائرات بدون طيار أخرى من وحدة IAI Bluebird بالإضافة إلى أنظمة مركبات الدوريات الآلية من “إلبيت سيستيمز” وأجهزة اعتراض الطائرات بدون طيار من “سكاي لوك”، وتم تنفيذ جميع هذه المشتريات من الشركات الإسرائيلية من خلال أطراف ثالثة.
العاهل المغربي: الصحراءالغربية أكبر من قضية فلسطين
رغم أنَّ العاهل المغربي الملك محمد السادس، يترأس لجنة القدس،ويقول دائمًا في المؤتمرات التي تخصص لهذه المدينة المقدسة التي تتعرض للتهويد بالكامل من جانب الكيان الصهيوني(أحداث حي الشيخ جراح في القدس والعدوان الإسرائيلي على غزة في مايو/ أيار2021): إن “قضية القدس أمانة في أعناقنا جميعا، حيث جعلناها في نفس مكانة قضيتنا الوطنية الأولى(الصحراء الغربية)، وأحد ثوابت سياستنا الخارجية”،فإنَّ المتابع للسياسة الخارجية التي ينتهجها النظام المغربي ، يلمس بوضوح أنَّ اتفاق التطبيع بين المغرب وإسرائيل، الذي أشرفت عليه إدارة الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب منذ نهاية عام 2020،يكشف بوضوحً زيف و أكاذيب كل هذه الإدعاءات السياسية والإيديولوجية من جانب العاهل المغربي.
بالنسبة للنظام المغربي ، يشكل استمرار العائلة الملكية في حكم المغرب(وهي السلالة الحاكمة منذ ثلاثة قرون) محوراً استراتيجيا تعطى له الأولوية،ولهذا السبب مارس استراتيجية التطويق و المحاصرة للجزائرمنذ عقد الستينيات من القرن الماضي،باعتبارها القوة الإقليمية الصاعدة التي تمتلك شرعية ثورية،وتحظى بمكانة كبيرة في العالم الثالث، واعتبر أن القضية المركزية الأولى التي تحتل أولوياته هي قضية الصحراء الغربية،لا قضية فلسطين و القدس و كان دفاع الملكية المغربية عن نفسها إزاء معارضة الأحزاب اليسارية لها في الستينيات تماهيها مع المغرب الأبدي ومصيره..
ومنذ رحيل الاستعمار الفرنسي عن أرض الجزائر ،لم يشهد تاريخ العلاقات بين المغرب و الجزائر سوى تراكم العقبات التي تعترض سبيل بناء وحدة المغرب العربي ، إلى درجة أنه يمكن القول أن سد هذه العقبات أصبح يحجب أطول الأعناق عن التمتع بالنظر إلى حلم الوحدة المغاربية، أهمها قضية الصحراء وهي محل خلاف بين المغرب والجزائر.
واستمرت المنغصات إلى أن جاء ما يسميه الجميع بكارثة الصحراء الغربية سنة 1975 لينقسم المغرب العربي إلى محورين: محور المغرب – موريتانيا ومحور الجزائر – ليبيا اللتين تدعمان استقلال الصحراء الغربية، ورغم أن موريتانيا خرجت من الصراع المباشر سنة 1979 بتخليها عن حقوقها في الصحراء مقابل السلام فإنها لم تفلح بالنأي بنفسها عن ذلك النزاع. كما لم تتمكن “ثورية” القذافي من التعايش مع معظم طبيعة أنظمة دول الاتحاد.
كما أن العلاقات بين الأخوين اللدودين في المغرب العربي، الجزائر و المغرب ، لم تعرف حالة من التطبيع الكامل ، بل إن العلاقات بين البلدين عرفت مراحل من المد و الجزر لا ينتهيان. علما أن التطبيع الكامل بين المغرب والجزائر يمثل شرطاً أساسياً من شروط النهوض باتحاد المغرب العربي، ومطلباً دولياً يجتمع عليه الموفدون عبر المتوسط وعبر الأطلسي.
ووفقًا لآراء المحللين و الخبراء، تتنافس قوتان إقليميتان وهما المغرب و الجزائر لقيادة منطقة المغرب العربي،وبدلاً من انتهاج النخب الحاكمة في كل من المغرب و الجزائر سياسة إقليمية تقوم على بناء صرح وحدة المغرب العربي، وإعادة الهدوء إلى هذا الإقليم، واستبعاد تضارب المصالح والأحقاد التاريخية، واستبدالها بالتعاون المربح للجميع،سيطرت استراتيجية التطويق والمحاصرة ،و الخوف المتبادل على السياسة الرسمية لكل من المغرب و الجزائر.
ورغم إعلان بناء الاتحاد المغاربي في 17فبراير 1989،باعتباره تكتلاً إقليميًا جديدًا برز على الساحة المغاربية لبناء وحدة المغرب العربي، لكنَّه تبين أنَّ أهداف الأنظمة متناقضة مع ما تطمح الشعوب المغاربية إلى تحقيقه، من خلال تعزيز الأسواق الحرة والحدود المفتوحة والديمقراطية والمؤسسات فوق الوطنية في كل إقليم المغرب العربي، ومواجهة تحديات العولمة الليبرالية الأمريكية المتوحشة التي أطلقت العنان لكل أنواع الشعبوية والدينية والسلطوية، والتطبيع مع الكيان الصهيوني.
التطبيع مع إسرائيل لحماية للنظام المغربي
من الناحية التاريخية،وفيما كانت الجزائرتعتبر القضية الفلسطينية قضية مركزية للأمة العربية،ولا تزال، وتدافع بشراسة عن حق الشعب الفلسطيني في إقامة دولته الوطنية على كامل ترابه الوطني وعاصمتها القدس ،وتخوض في الوقت الراهن معركة ديبلوماسية وسياسية لمنع التغلغل الصهيوني داخل القارة الإفريقية، وبالتالي مواجهة قطار التطبيع و إقامة العلاقات الديبلوماسية بين الدول الإفريقية و الكيان الصهيوني،كان النظام المغربي في ظل حكم الملك الحسن الثاني،يقدم التسهيلات لجهاز الموساد الإسرائيلي للقيام بعملية “ياخين” بين عامي 1961 و1964، التي تم بموجبها تهجير ما يقرب من مائة ألف يهودي مغربي إلى فلسطين، مقابل حصول الحسن الثاني على تعويضات مالية. وفي عام 1965 سمح الملك الحسن الثاني لجهاز الموساد بالتجسس على الجلسة السرية للقمة العربية في الدار البيضاء. وفي عام 1986 حل شمعون بيريز، رئيس وزراء الاحتلال في حينه، ضيفاً على الحسن الثاني في الرباط، وبعد الزيارة بثمانية أعوام تم الاعتراف الضمني من قبل الملك الحسن الثاني بدولة الاحتلال، بعد أن فتحت الأخيرة مكتب اتصال لها في المغرب في الأول من سبتمبر/أيلول عام 1994. وهاهو النظام المغربي في ظل حكم الملك محمد السادس يركض مهرولاً نحو التطبيع مع “إسرائيل”، ويذهب إلى أبعد من ذلك، نحو إقامة حلف استراتيجي معها،من خلال توقيع مذكرة التفاهم الأمني و العسكري الموقع بين المغرب وإسرائيل، كانت أخطرها الاتفاقيات العسكرية والاستخباراتية،وإبرام صفقات الأسلحة مع الشركات الإسرائيلية لتزويد الجيش المغربي بالصواريخ الاعتراضية المتطورة، والاستفادة من تقدم إسرائيل في الصناعات والتكنولوجيا العسكرية، خاصة في ما يتعلق بالتفوق الإسرائيلي الكبير في مجال صناعة الطائرات بدون طيار، والأنظمة الدفاعية مثل منظومة القبة الحديدية، التي ترغب الكثير من دول العالم في شرائها. إضافة إلى حديث بعض وسائل الإعلام عن إقامة قاعدة عسكرية في شمال المغرب. فقد انتقل النظام المغربي في ظرف سنة من قرار استئناف العلاقات وفتح مكاتب الاتصال مع ، إلى تسونامي من التطبيع المشؤوم بين المغرب والعدو الصهيوني ،إذ لم نعد إزاء تطبيع كما هو متعارف عليه في المشرق العربي حالة مصر والأردن، وإنما إزاء عمل ممنهج لصهينة الدولة والمجتمع في المغرب،حيث بات استقرار وسيادة المغرب مهددة تهديداً جدياً منذ توقيع اتفاق التطبيع، وأن هناك هيمنة للقرار الصهيوني على القرار الدبلوماسي المغربي. الشعب المغربي يرفض التطبيع على نقيض الأنظمة العربية التي هرولت مسرعةً نحو التطبيع مع الكيان الصهيوني حماية لعروشها من السقوط،ترفض الشعوب العربية كل أشكال التطبيع ، بل وتقاومه، ومنها الشعب المغربي ،علمًا أن النظام المغربي نجح نسبيًا في إحداث تصدع لدى الرأي العام المغربي،من خلال مقايضة التطبيع مع إسرائيل بالاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ،وتبرير قراره بالتطبيع مع إسرائيل بالعائد السياسي والاستراتيجي الذي سيستخلصه المغرب من الاعتراف الأمريكي. وينقسم الشعب المغربي في الوقت الراهن إلى ثلاث فئات ، في الموقف من التطبيع مع الكيان الصهيوني. الفئة الأولى ،وتمثل الأغلبية الساحقة من الشعب المغربي (حوالي 70%) ترفض التطبيع مع الكيان الصهيوني، وتضم هذه الفئة تنظيمات حزبية ونقابية ومدنية، إسلامية ويسارية، عرفت بمناصرتها القضية الفلسطينية، ومن أبرزها الجبهة المغربية لدعم فلسطين وضد التطبيع، والهيئة المغربية لنصرة للقضية الفلسطينية. الفئة الثانية،وهي الأقلية الأوليغارشة المهيمنة في المغرب،و المتكونه من الفئات البرحوازية الطفيلية المرتبطة مصالحها مع استمرارالملكية ، والتي تبرّرالتطبيع المُرِّ بالمصلحة الوطنية العليا للمغرب،أي الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء ، وبتحول المغرب إلى سنترال للشركات الإسرائيلية الطامحة إلى غزوالأسواق الإفريقة تحت يافطة أسماء شركات مغربية،مع التأكيد على أنَّ التطبيع مع إسرائيل لن يؤثر على تشبث المغرب، حكومة وشعبا، بثوابت القضية الفلسطينية، في مسعى، على ما يبدو، لإزاحة شعور دفين بالخطيئة.
الفئة الثالثة،ويتمثل بالتيار الأمازيغي الراديكالي الذي يستقوي بالتطبيع مع الكيان الصهيوني ، لخوض الصراع السياسي و الإيديولوجي مع القوى العروبية والإسلامية والدولة المغربية المحافظة، ودعما لتطلعاته التي يقع عزل المغرب عن محيطه العربي ضمن أولوياته الرئيسة. ولم يكن انقسام الرأي العام بشأن التطبيع بعيدا عن الصراع الفكري والإيديولوجي الذي احتدم في الجامعات المغربية بين الفصائل الطلابية اليسارية والإسلامية، خلال العقود الماضية، خاصة بعد أن تورط حزب العدالة والتنمية الإسلامي، الذي قاد الحكومة لولايتين، في توقيع أمينه العام السابق سعد الدين العثماني على اتفاق التطبيع. رغم هذا الانقسام الحاصل، فإنَّ أغلبية الشعب المغربي، لا تزال تناهض التطبيع، وتعتبر إسرائيل، كيانًا غاصبًا لأرض فلسطين التاريخية، وتزداد توحشًا في قمعها للشعب الفلسطيني، أمام التراجع المهول في مكانة قضية الفلسطينية للنظام العربي الرسمي. كما يرفض الشعب المغربي ، توظيف الملك محمد السادس لورقة اليهود الإسرائيليين المنحدرين من أصل مغربي، باعتبارهم ”جسرا ثقافيا وسياسيا لوصل ما انقطع بينهم وبين موطنهم الأصلي”، في مسعى للنظام المغربي اختراق جبهة الرفض المغربية، وبالتالي تعويم قضية اليهود المغاربة والعرب، وإعادة طرحها وفق مقتضيات السردية الصهيونية، هذا في وقت يشكل هؤلاء اليهود القاعدة الاجتماعية والسياسية لمختلف تشكيلات اليمين الصهيوني المتطرف، الذي يتوزع داخل مختلف المؤسسات السياسية والأمنية والعسكرية الإسرائيلية. فما يعتبر ”جالية يهودية مغربية” في إسرائيل، ليست في الواقع إلا جزءا من المشروع الصهيوني الذي يستهدف اجتثاث الهوية الفلسطينية والعربية من المنطقة واستبدالها بهوية إسرائيلية هجينة. ومن نافل القول إن ولاء اليهود الصهاينة، الذين تركوا أوطانهم الأصلية وهاجروا إلى فلسطين، يبقى لإسرائيل أولا وأخيرا. وغير ذلك لا يعدو كونه تعويما للحقائق التاريخية و الثقافية, و توسلا بمبررات واهيةلإضفاء الشرعية على التطبيع مع الكيان الصهيوني على حد قول الكاتب المغربي محمد أحمدبنيس. في مقاله عن المغاربة و التطبيع مع الكيان الصهيوني المنشور بصحيفة العربي الجديد بتاريخ 30 يناير 2022.
Discussion about this post