زعم متحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، عقب الجولة الأخيرة مع غزة، أنَّ منظومة “القبة الحديدية” كانت فعالة في اعتراض صواريخ المقاومة بنسبة 97%.
ضخَّت وسائل إعلام غربية وصهيونية بعدها تقارير متزامنة تؤكّد أن تلك النسبة تمثل تحسناً ملموساً ومطّرداً في أداء المنظومة الاعتراضية الذي بلغ، بحسب تلك التقارير، 90% عام 2021 إبان معركة “سيف القدس”، و80% عام 2014، و70% عام 2012، عندما جرى اختبار “القبة الحديدية” في الميدان أول مرة.
ثمة جانبان مهمان في مثل هذه التقارير: أولهما ذاك المتعلق بالحرب النفسية التي لا يكفّ العدو عن شنها لـ”كيِّ الوعي”، ولنشر فكرة “عبثية المقاومة” و”عبثية صواريخها”. أما الجانب الآخر، فهو تجاري استثماري، إذ يحتاج الكيان الصهيوني إلى الترويج تسويقياً لمنتجات صناعاته العسكرية، مع العلم أنَّ صادراته من الأسلحة بلغت رقماً قياسياً عام 2021، هو 11.3 مليار دولار، ذهب 7% منها إلى دولٍ خليجية من أصل نحو 60 مليار دولار مثلت قيمة صادراته السلعية خلال العام الفائت.
لذلك، من البديهي أن التقارير التي تصور منظومات التسليح الصهيونية بأنها “لا تقهر” يجب أن تؤخذ بكثيرٍ من الارتياب، ولا سيما أن البيانات العسكرية التي جرى استخلاص نسبة 97% منها غير متاحة في شبكة الإنترنت للعموم، وأن ما بين 100 إلى 150 عقاراً في الكيان الصهيوني تعرض لأضرار من جراء صواريخ غزة، بحسب موقع “تايمز أوف إسرائيل” في 8/8/2022، وأن عدد قتلى حوادث السير في “إسرائيل”، بعد الجولة الأخيرة، ارتفع فجأة إلى 12 شخصاً خلال يومين فحسب!
ليس القصد أن “القبة الحديدية” لم تعترض صواريخ غزة، بل إنَّ الادّعاء بأن نسبة اعتراضها بلغت 97% يحتمل الكثير من التشكيك، بالنظر إلى حجم دوافع العدو الصهيوني للكذب بخصوص تلك النسبة.
ثمة حاجة، على الرغم من ذلك، لمعرفة عدونا ومعرفة أسلحته ومنظوماته المضادة للصواريخ، ومنها منظومة “القبة الحديدية”.
لمحة عن منظومات العدو المضادة للصواريخ
يتقوقع العدو الصهيوني تحت قبة مجموعة من المنظومات المضادة للصواريخ، والتي تختلف باختلاف حجم الصاروخ المستهدف ومداه وتصنيفه استراتيجياً، وهي:
1) منظومة صواريخ “أرو” (Arrow)، أي “سهم”. جرى تطويرها بتعاون أميركي إسرائيلي، وكان هدفها التصدي للصواريخ البالستية، ومنها مثلاً صواريخ “سكود”. بدأ العمل على هذه المنظومة في خضم حرب الخليج الأولى عام 1990، وصُنع منها نموذجا “أرو-1” و”أرو-2″، ووضعت في الخدمة رسمياً في الكيان الصهيوني عام 2000.
يبلغ وزن صاروخ “أرو” 2800 كغم، ووزن رأسه المتفجر 150 كغم، وطوله نحو 7 أمتار، ومداه العملياتي الفعال من 90 إلى 150 كم. وقد بلغ ثمنه في المراحل الأولى 3 ملايين دولار.
وفي 17 آذار/مارس 2017، بعد عدوان طائرات إسرائيلية على سوريا انطلاقاً من الأجواء اللبنانية، أطلقت بطارية دفاع جوي سوري من طراز “S-200” صواريخها باتجاه الطائرات الصهيونية العائدة إلى قواعدها وهي تحلق فوق الجولان. وتقول مصادر العدو إنَّ أحد تلك الصواريخ السورية “ضل طريقه”، واتجه نحو منطقة مكتظة سكانياً في الكيان الصهيوني في مسار بالستي، فأسقطه صاروخ “أرو-2”.
ظل العمل جارياً على تطوير منظومة “أرو” لتطير بسرعةٍ أكبر، وعلى ارتفاعات أعلى، ولمديات أطول، حتى وضع صاروخ “أرو-3” في الخدمة رسمياً بداية عام 2017. وقالت “وكالة الفضاء الإسرائيلية” وقتها إنَّ “أرو-3” قادر على إسقاط الأقمار الصناعية. ويجري العمل حالياً، بحسب مصادر العدو، على تطوير صاروخ “أرو-4” القادر على اعتراض الصواريخ الفرط صوتية.
2) هناك أيضاً منظومة صاروخ “باراك-8″، أي “البرق”، وهو إنتاج هندي إسرائيلي مشترك. هو صاروخ أرض – جو متوسط المدى جرى اعتماده رسمياً عام 2016 في الهند والكيان الصهيوني وأذربيجان. يبلغ وزنه 275 كغ، ووزن رأسه المتفجر 60 كغم، وطوله 4.5 أمتار. صُمم لإسقاط الأهداف الطائرة مثل الطائرات والمروحيات والمسيرات وصواريخ الكروز والصواريخ البالستية والصواريخ المضادة للسفن. يُذكر أن سلف هذا الصاروخ هو “باراك-1″، وهو صاروخ مضاد للصواريخ المضادة للسفن كانت تعتمده البحرية الإسرائيلية.
ثمة نسخ متعددة من صاروخ “باراك-8″ يبدأ مداها العملياتي، أي الاعتراضي، من 500 متر، أي نصف كيلومتر، ليصل إلى 70 أو 100 أو 150 كم. وبحسب النسخة، بات يمكن لـ”باراك-8” أن يحلق إلى علو 16 أو 20 أو 30 كم في السماء. وما بدأ كصاروخ اعتراضي متوسط المدى، صارت شركة “الصناعات الجوية الإسرائيلية” تروج له رسمياً كمنظومة مضادة للصواريخ والأهداف الجوية الطويلة المدى.
وفي 2 تموز/يوليو 2022، تقول مراجع العدو إن صواريخ “باراك-8” أُطلقت من سفينة “ساعر-5” لإسقاط 3 طائرات استطلاع مسيرة أطلقها حزب الله فوق حقل “كاريش”.
تبلغ قيمة الوحدة الواحدة من “باراك-8″، مع كل متعلقاتها المرفقة، 24 مليون دولار (مركّبة جاهزة). ويُشار إلى أن المغرب وقع عقداً بقيمة 500 مليون دولار لشراء منظومة صواريخ “باراك-8″، وأنَّ السعودية والإمارات تفاوضان، أو على وشك التوقيع، على شراء تلك المنظومة أيضاً، بحسب مراجع العدو.
3) هناك أيضاً منظومة “مقلاع ديفيد”، أو ما كان يسمى سابقاً “العصا السحرية”، وهي منظومة مضادة للصواريخ المتوسطة إلى الطويلة المدى، ويمتد مدى صواريخها ما بين 40 و300 كم. جرى تطوير “المقلاع” من طرف شركة “رايثون” الأميركية و”رافاييل” الإسرائيلية معاً، واعتُمد رسمياً في الخدمة عام 2017.
تهدف هذه المنظومة إلى اعتراض صواريخ كروز والطائرات المقاتلة والمسيرة والصواريخ الباليستية التكتيكية، مثل صاروخ “إسكندر” الروسي ومعادله الصيني “DF-15″ و”DF-16″، و”خيبر-1″ السوري، و”فاتح-101” الإيراني، إضافة إلى صاروخ “سكود-ب”.
لا تتوفر معلومات كثيرة عن المواصفات التقنية لـ”مقلاع ديفيد”، ولا سيما سرعة طيرانه التي ظلت طي الكتمان، ولكن لا شك في أن كل هذه المعلومات باتت متوفرة لدى الروس، إذ إن صاروخي “توشكا” سوريين كانا قد أطلقا جنوباً في 23 تموز/يوليو 2018 بدا أنهما متوجهان باتجاه فلسطين المحتلة، لكنهما سقطا على بعد كيلومتر واحد فقط من الحدود بين سوريا وفلسطين.
لم يتمالك الصهاينة أعصابهم، فأطلقوا صاروخين اعتراضيين من منظومة “مقلاع ديفيد”، ثم فجروا أحدهما في الجو. أما الآخر، فسقط في الأراضي السورية كما هو، ولم ينفجر عند اصطدامه بالأرض، فوقع في أيدي القوات المسلحة السورية، ومررته سوريا لروسيا، بحسب موقع “هاموديا” الصهيوني في 6 تشرين الثاني/نوفمبر 2019.
وتقدر تكلفة البطارية الواحدة من منظومة “مقلاع داود” بما يتراوح بين 150 و250 مليون دولار. وتكفي بطاريتان لتغطية كل أراضي فلسطين المحتلة.
لمحة عن منظومة “القبة الحديدية”
تأتي منظومة “القبة الحديدية” ضمن التسلسل أعلاه كمنظومة مضادة للصواريخ القصيرة المدى، مثل صواريخ كاتيوشا، وصواريخ غراد، والصواريخ المصنعة يدوياً في غزة، وهي منظومة يبلغ مداها الفعال ما بين 4 و70 كم، ويبلغ وزن الصاروخ الواحد فيها 90 كغم، وطوله 3 أمتار.
تتألف البطارية الواحدة من “القبة الحديدية” من 3 إلى 4 قاذفات صواريخ يضم كلٌ منها 20 صاروخاً. وتبلغ قيمة البطارية الواحدة 50 مليون دولار، كما تبلغ تكلفة اعتراض كل صاروخ أو قذيفة ما بين 50 و150 ألف دولار، بحسب المرجع.
اعتُمدت “القبة الحديدية” رسمياً كمنظومة دفاعية قصيرة المدى منذ عام 2011، وكان قد بدأ التفكير في تصنيعها منذ تسعينيات القرن العشرين، عندما كانت المستعمرات الصهيونية تتلظى بصواريخ المقاومة اللبنانية، ولكن العمل على تطويرها جدياً وتأمين التمويل اللازم لتحقيق ذلك الغرض بدأ فقط عام 2004.
بين عامي 2011 و2021، ضخت الولايات المتحدة الأميركية 1.6 مليار دولار لتمويل إنتاج “القبة الحديدية”، بعد إقرار القسط الأول من ذلك التمويل في عهد الرئيس الأسبق باراك أوباما. وعاد الكونغرس الأميركي وأقر مليار دولار آخر لإعادة تذخير صواريخ القبة الحديدية وإنتاج المزيد من بطارياتها عام 2022.
دخلت شركة “رايثون” الأميركية على خط إنتاج “القبة الحديدية” كجزء من اتفاقية التمويل الأميركية، وكانت شركة “بوينغ” الأميركية دخلت على خط تصنيع صاروخ “أرو-3” المذكور أعلاه بنحو 50% من مكوناته، والمقصود هو أن المجمع العسكري-الصناعي الأميركي شريك عضوي في الدفاع عن كيان الاحتلال، وفي مواجهة أي مشروع لتحرير فلسطين، فنحن لا نواجه بضعة شذاذ آفاق منعزلين وحدهم.
في جميع الأحوال، هناك 10 بطاريات “قبة حديدية” قيد الخدمة في الكيان الصهيوني اليوم، ويجري توسيع إنتاجها لتصبح 15 بطارية، بحسب مراجع عمرها بضع سنوات، وربما يكون ذلك الهدف الإنتاجي قد تحقق.
وثمة بطاريتا “قبة حديدية” لدى الجيش الأميركي استلمها عامي 2020 و2021 على التوالي، توجد إحداها في تكساس، والأخرى بقيت العام الفائت على الأقل في جزيرة “غوام” التي تحتلها الولايات المتحدة منذ عام 1898. تقع غوام في منطقة ميكرونيزيا غرب المحيط الهادئ شمالي أستراليا، وإلى الشرق من الفلبين وتايوان، وهي أكثر موقع بري أميركي متقدم في مواجهة النفوذ الصيني في المنطقة، وتعد جزءاً من الولايات المتحدة الأميركية.
وثمة “همس” في بعض المواقع الأميركية عن إمكانية نقل بطاريتي “القبة الحديدية” الأميركيتين إلى أوكرانيا، بحيث لا يتحمل الكيان الصهيوني مسؤولية نقلها إليها، بعد رفضه بيعها لها علناً في آذار/مارس الفائت خوفاً من سخط روسيا.
تتألف منظومة “القبة الحديدية” الواحدة من 3 مكونات:
أ – الرادار الذي يرصد المقذوف الطائر في الجو، ويحسب بيانات تسارعه ومساره آلياً.
ب – مركز السيطرة والتحكم الذي يوجد فيه فنيون يتلقون تلك البيانات ليقدّروا إن كان المقذوف الطائر سيسقط في منطقة مفتوحة أو على هدفٍ حيوي أو على منطقة مكتظة بالسكان، بالتالي إذا كانت ثمة حاجة لاعتراضه بصاروخٍ أم لا.
ج – منصات إطلاق الصواريخ المضادة للمقذوفات الطائرة، وهي الصواريخ التي يسميها الصهاينة بالعبرية “تامير”، ويسميها الأميركيون “صياد السماء” (SkyHunter).
تختلف منظومة “القبة الحديدية” عن منظومات الدفاع الجوي الأخرى في ما يلي:
أ – مكوناتها الثلاثة لا توجد جغرافياً في مكانٍ واحد.
ب – مركز السيطرة والتحكم هو وحده الذي يوجد فيه بشر.
ج – لديها قابلية للنقل جغرافياً من موقع إلى آخر على عربات أكثر سهولةً ومرونةً من غيرها.
نقاط الضعف المحتملة في منظومة “القبة الحديدية”
لا يوجد منتج تقني غير قابل للاختراق أو التجاوز. المسألة مسألة جهد ووقت وإبداع، ولا تشذ “القبة الحديدية” عن تلك القاعدة. وسوف أشير هنا إلى احتمالات عامة من المؤكد أن أهل العمل المقاوم يفكرون فيها:
1) يقتصر مدى “القبة الحديدية” على 4 إلى 70 كم، وهذا يعني أن الصواريخ التي تطلق من مدى أقل من 4 كيلومترات لا تعترضها “القبة” بالفعالية ذاتها، وقد رأينا أثر ذلك في مستعمرة “سديروت” التي تعرضت لأضرار أكبر من غيرها، لقربها من غلاف غزة، فالاقتراب من الهدف بدرجة أكبر له فوائده هنا.
2) يعمل العدو الصهيوني على تطوير سلاح يعمل بالأشعة اسمه “الشعاع الحديدي” أو “Iron Beam”، وهو يستهدف المديات القريبة جداً للمقذوفات الجوية، وصولاً إلى 7 كيلومترات، ولكن حتى الاختبارات الأولية لهذا السلاح تشير إلى أنَّ فعاليته تبدأ من 2000 متر، وذلك يدعو للاقتراب أكثر من الهدف، أي أقل من 2 كم.
3) يخاف العدو من الاشتباك المباشر يداً بيد، ويحرص على حماية نقطة ضعفه الأولى، وهي العنصر البشري. يعاني جنوده عجزٍاً في الدافع المعنوي، فيما لدينا فائض في السكان وفي الشجاعة والإقدام، وتقوم فكرة “حرب العصابات” أصلاً على العمل خلف خطوط العدو.
ومن هنا، كان سعي العدو لتفريق منصات الإطلاق التي لا يعمرها بشر عن مراكز السيطرة والتحكم التي يديرها بشر. ولذلك، فإن التفكير جدياً في استهداف منصات إطلاق صواريخ “تامير” ذاتها بالدوريات أو عن قرب، بالتسلل، يصبح ضرورياً جداً.
4) تعاني منظومة “القبة الحديدية” حتى الآن مشكلة عدم تحمل “الإغراق”. ولا تستطيع تلك المنظومة التمييز بين صاروخ يحمل رأساً متفجراً وآخر لا يحمله، ويمكن تعويض الفارق في وزن الصاروخ الّذي لا يحمل رأساً متفجراً بطرقٍ شعبية، لكي لا يختلف تسارعه بعد إطلاقه ويتعرف إليه الرادار. ولهذا، فإنَّ إطلاق رشقةٍ من عشرات الصواريخ التشتيتية التي لا تحمل رؤوساً متفجرة لاستنزاف مخزون “القبة الحديدية” من صواريخ “تامير” ربما يخلق فرصةً جميلة لإطلاق وجبة أخرى تحمل رؤوساً متفجرة مباشرةً بعدها تقل فرصة اعتراضها.
5) تقوم فعالية “القبة الحديدية” على: أ – رصد المقذوفات من قِبل الرادار الملحق بها، ب – برنامج الحاسوب الذي يديره فنيون في مركز السيطرة والتحكّم، ج – فعالية صاروخ “تامير” في تدمير الصاروخ المضاد. إن نقطة الضعف المحتملة هنا هي الاختراق الإلكتروني، ولدينا عددٌ كبيرٌ من الشباب والشابات الذين يستطيعون، لو اجتهدوا، أن يشوشوا إلكترونياً على إشارات الرادار، أو أن “يهكروا” حاسوب مركز السيطرة والتحكم، وأن يرسلوا صواريخ “تامير” ذاتها إلى أهداف داخل الكيان الصهيوني. وفي عالم القرصنة الإلكترونية، وببعض المساعدة من الحلفاء، هذا كله ممكنٌ جداً، والشباب العربي أهلٌ لها.
6) النفق إلى داخل الأرض المحتلة عام 48 بمحاذاة غزة وغيرها هو مشروعٌ مجدٍ استثمرت فيه المقاومة بكثافة، وهو مشروعٌ يمكن توظيفه بفعالية لضرب مراكز الكيان الصهيوني بالصواريخ أو للتسلل بمحاذاة بطارية صواريخ “قبة حديدية”، إذ يمكن أن تفاجئها قوى المقاومة من مسافة صفر. تخيلوا الأثر المعنوي لتفجيرها من قِبل مجموعة فدائية في العدو وفي حاضنة المقاومة الشعبية.
7) الضفة الغربية، لكونها أقرب إلى المراكز الحيوية للكيان، لا بد من أن ينتقل تصنيع الصواريخ إليها، والإمكانيات التي تجعل تصنيع الصواريخ في غزة ممكناً موجودة في الضفة الغربية، وحتى في فلسطين عام 48، بصورةٍ أكبر بكثير.
الصاروخ الغزاوي: إعجاز شعبي فلسطيني في أقسى الظروف
يصعب وصف أبعاد الحصار الذي تتعرض له غزة. ولذلك، إن وجود آلاف الصواريخ فيها، تصنيعاً أو تهريباً، أشبه بمعجزة، وهي في الواقع فصلٌ من فصول الأسطورة الحية لمقاومة الشعب العربي الفلسطيني للاحتلال الصهيوني منذ نهاية القرن التاسع عشر.
هل تعرفون كيف يصنع الصاروخ الغزي؟ الصاروخ الغزي مصنّع منزلياً، ولا يوجد فيه نظام توجيه، ويجري إطلاقه من قاعدة معدنية بسيطة مصنعة محلياً.
الصاروخ الغزي أصغر حجماً وأقل وزناً من صاروخ “تامير” الذي يعترضه، ويكلف بضع مئات من الدولارات، فيما يكلف الآخر عشرات آلاف الدولارات. ومع ذلك، فإنه صنّع لكي يهيئه ويطلقه رجلان فقط.
ازداد حجم الصاروخ الغزي ووزنه عبر السنوات، ولكن تركيبته الأساسية بقيت كما هي: هيكلٌ من الحديد أو الألومنيوم لحمت إلى جوانبه زعانف، ويملأه وقودٌ مصنوعٌ من السماد والسكر الذائب، وفي رأسه بضعة كيلوغرامات من المتفجرات الشعبية علق عليها صاعق ينفجر عند اصطدام الصاروخ بجسم صلب.
تلك هي الصواريخ التي تقضّ مضجع الكيان الصهيوني يومياً، وذلك هو اجتراح المقاومة للمعجزة في أصعب الظروف وأقساها، وتلك هي المقاومة الشعبية بمعناها الحقيقي، لا المدجن، التي اجترحها الغزيون في ظل ميزان قوى مائل إلى درجة يصعب تصورها… سماد و”عقيدة” وإرادة.
لكن تخيلوا لو أمكن وضع شريحة تجعل التحكم في الصاروخ ممكناً، بحيث يمكن تغيير مساره عن بعد، أي “نظام توجيه”… عندها سوف تصبح فرصة التملص من صواريخ “تامير” أعلى بكثير.
الفكرة ليست غريبة. على الأقل، الفكرة ليست أغرب من تحول غزة المحاصرة، أو غيرها في المستقبل، إلى قلعة صاروخية يحسب لها العدو الصهيوني ألفَ حساب.
Discussion about this post