ليست هي المرة الأولى التي يتخذ فيها المجلس الدستوري اللبناني قرارًا بشأن ابطال نيابة أحد الفائزين بمقعد انتخابي في البرلمان اللبناني. لكن ما يختلف في خصوص هذه الطعون أنّها جاءت نتيجةً لانتخابات كانت كسر عظم بين جبهة محور المقاومة والفرقاء الاخرين ذوي المشارب المختلفة.
وفي السياق نفسه كانت الانتخابات النيابية لعام 2022، قد أجريت بعد أنّ مورست ضغوط كبيرة على البلد، سياسية واقتصادية حيث نتجت عنها أزمات اجتماعية لم يعشها المواطن اللبناني منذ حقبة الحرب العالمية الأولى، حيث تعرّض المواطنون لحملة تجويع جماعية (وقد أطلق عليها المجاعة الكبرى في جبل لبنان 1915 حتى عام 1918)، بينما اليوم وفي عصر التنمية والأمن الغذائي، أصبح اللبناني يفتقد للعناصر الأساسية التي تدخل ضمن احتياجاته اليومية، وذلك بسبب التضخم وارتفاع الأسعار، إضافةً إلى تدني قيمة العملة اللبنانية في وجه الدولار الأمريكي.
ولا ننسى وباء كورونا الذي زاد الطين بلّة، وما تبع ذلك من التعبئة العامة التي أرغمت غالبية اللبنانيين في البقاء في منازلهم، وبالتالي إغلاق العديد من المؤسسات والشركات التجارية والصناعية. وبالتالي حين أجريت هذه الانتخابات كان همّ المواطن اللبناني في كيفية تأمين الغذاء والدواء، إلّا أنّ معظم هذه الضغوط لم تؤد إلى التغيير في نتائج الانتخابات النيابية اللبنانية 2022، بل أتت النتائج متقاربة بين الجبهتين وما ينطوي تحتهما من أحزاب وقوى سياسية.
فقد قدّمت طعون عديد أمام المجلس الدستوري اللبناني، من أجل الطعن في نتائج بعض المقاعد النيابية، فقبل البحث في نتائج هذه الطعون لا بد لنا معرفة المسار القانوني لهذه الطعون الانتخابية.
وفقاً للتعديلات الدستورية التي أجريت بموجب وثيقة الوفاق الوطني لعام 1989، نصّ على إنشاء مجلس دستوري من ضمن صلاحياته البت في الخلافات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية (المادة 19 من دستور 1990). ومن جهة طبيعة المجلس الدستوري، فقد نصّت المادة(1) من النظام الداخلي للمجلس الدستوري (القانون رقم 243) على أن “المجلس الدستوري هيئة دستورية مستقلة لها صفة قضائية لمراقبة دستورية القوانين والبت في الخلافات والطعون الناشئة عن الانتخابات الرئاسية والنيابية”.
وأمّا المادة (25) من قانون إنشاء المجلس الدستوري، نصّت على أنّ: “يقدم الطعن في صحة النيابة بموجب استدعاء يسجل في قلم المجلس الدستوري، يذكر فيه اسم المعترض وصفته والدائرة الانتخابية التي ترشح فيها واسم المعترض على صحة انتخابه والأسباب التي تؤدي إلى إبطال الانتخابات وترفق بالطعن الوثائق والمستندات التي تؤيد صحة الطعن”.
لذلك فإن حق الطعن في نتيجة الانتخابات على مقعد برلماني معين يعود إلى المرشحين غير الناجحين من نفس الدائرة الانتخابية ونفس المقعد النيابي، وفي ضوء حقيقة أن المقاعد الانتخابية مقسمة بالتساوي بين المسلمين والمسيحيين، وبين الطوائف نسبياً، يجب أن يكون الطعن مقدّماً بوجه الفائز بمعقد نيابي من نفس المذهب والدين ونفس الدائرة الانتخابية.
أما مهلة تقديم الطعن، فهي محددة بحد أقصاه ثلاثين يومًا من تاريخ إعلان نتائج الانتخابات في دائرة المرشح المهزوم، وفي حال تخطي هذه المهلة يردّ المجلس الدستوري اللبناني الطعن شكلاً.
وغني عن البيان، بناءً على التفاصيل التي ذكرناها أعلاه ، أن المجلس الدستوري اللبناني ينظر فقط في صحة انتخاب فائز لمقعد نيابي معين بعد أن طعن عليه مرشح خاسر على المقعد نفسه.
وبالعودة إلى موضوع الطعون الانتخابية التي قدّمت أمام المجلس الدستوري اللبناني، حيث ردّ بعضها، وقبل البعض اﻵخر ومنها الطعن المقدم من النائب فيصل كرامي وبموجبه أبطلت نيابة رامي فنج (عن المقعد السني في طرابلس)، وحيدر ناصر وبموجبه أبطلت نيابة فراس السلوم (عن المقعد العلوي في طرابلس. حيث قبل المجلس الدستوري الطعن، بالتالي يكون المجلس الدستوري اللبناني قد أثبت استقلاليته وصدقيته في خصوص هذه الطعون، على الرغم من التوزيع الطائفي لمقاعده.
وبالنسبة للحسابات السياسية لن تكون هناك تغييرات جذرية على صعيد ميزان القوى في المجلس النيابي، وبالتالي التأثير على نتائج التصويت فيما يتعلق بموضوع انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية. إلاّ أنّ ما يسجّل هو في إعادة تثبيت النائب فيصل كرامي لزعامته في طرابلس، الأمر الذي يترك ارتياح لحلفائه وللمقاومة، نظراً لما تمثّل طرابلس من ثقل سنّي.
Discussion about this post