إنه القلق على المصير، الجامع بين اللبنانيين رغم يدفق المغتربين و الاكتظاظ السياحي الذي لا يعول عليه في نظام اقتصادي منهار، كما إفلاس سياسي منقطع النظير، الأمر الذي ينعكس مراوحة قاتلة كلفتها مؤلمة على مستقبل لبنان .
لا تنحصر الأزمة في الشغور الرئاسي، بعدما بات الاستعصاء و نهج التعطيل سنة المرحلة الأخيرة ، بل العطب يطال كيان النظام و هيكل الدولة، سمة الواقع السياسي التفسخ على جميع المستويات ، و الفراغ يمتد عميقا و ينخر جسد النظام اللبناني الذي كان واحة ديمقراطية وسط محيط من الممالك و الديكتاتوريات على أنواعها .
عند الأزمات ، كان العرب يهبوا لنجدة الشقيق الصغير، ففي الماضي البعيد تواضع الزعيم العربي جمال عبد الناصر، و نصب خيمة عند حدود مع سوريا كي لا تصيب بعض اللبنانيين، لوثة الوحدة العربية ما يفقد لبنان ميزة التنوع ، و كذلك الأمر عند طفرة النفط في الخليج التي انعكست انتعاشا اقتصاديا و خدماتي، جعل من لبنان في مصاف البلدان المتطورة حينها .
حتى عند الأزمات ، فبعد انتقال الثورة الفلسطينية من عمان إلى بيروت ، و أدت إلى شرخ عميق في المجتمع اللبناني، فما كان من سبيل إلا تأمين حاضنة عربية ، عمدت إلى إدارة الأزمة اولا حتى إنضاج عقد مؤتمر الطائف الشهير الذي تحول إلى مقدمة الدستور، و الذي تم تفريغه من مضمونه عبر الوصاية السورية الكاملة ضمن تداعيات اجتياح صدام حسين الكويت ثم اندلاع حرب الخليج الأولى ، وصولا لسقوط بغداد و حرائق الربيع العربي .
كل هذا المسار التاريخي ، يفضي إلى خلاصة أكيدة بأن عجز الداخل على التفاهم يفرض تدخل الخارج و تحديدا إطلاق مبادرة عربية تنقذ لبنان ، و تعيده إلى وعيه لو بالحد الأدنى ، غير أن هذا يستلزم موقفا عربيا متضامنا ، أو تقاطعات بين سلسلة أطراف إقليمية تفضي نحو استقرار لو بالحد الأدنى .
غير ذلك ، دونه عقبات كثيرة أولها عدم شمول لبنان باتفاق بكين بين السعودية وإيران ، فرغم طرح بعض المعنيين العرب توسيع اللجنة الخماسية و انضمام إيران إلى أميركا و فرنسا و السعودية و قطر و مصر. ثمة وجهة نظر أخرى تفيد بأن إيران لن تتدخل كون الملف بيد امين عام حزب الله الممتدة عباءة زعامته إقليميا إلى العراق و اليمن، فضلا عن رفض أميركي منح إيران أوراق قوة، بينما مسار التفاهم طويل و شاق .
بالمحصلة، بات مؤكدا وجود تباينات عميقة بين أطراف اللجنة الخماسية المشار إليها،
الأولوية لليمن ثم سوريا فالعراق و أوضاع الداخل الفلسطيني ، ليصبح لبنان في أسفل أولويات تفاهمات المنطقة، و هذا الأمر ليس بالأمر اليسير حله إلا في ظل تفاهم إقليمي شامل ، يبدو القطار انطلق نحوه لكن محطات مساره النهائي كثيرة تفرض الركون أحيانا ، فيما وضع لبنان المأزوم لا يحتمل و قابل للانفجار عند أول شرارة .
Discussion about this post