الخيال: هو ابن التفكر والتدبر والخلوة. وهو الأب للفن والإبداع والاختراع والكشف.
وهو مَلَكَة تربيها مناهج التربية في البيت والمدرسة ومؤسسات الدولة الثقافية.
والخيال: هو انعكاس لبياض القلب وسواده، ويقظة الحس وبلادته، ونشاط القريحة وكسلها.
بالخيال تستطيع أن تنتقل إلى عالمك الخاص، وتترفع عن واقعك أيًّا كان.
من الممكن أن ينقلك الخيال إلى الجحيم وأنت ساكن في قصرك المنيف.
أو ينقلك إلى الجنة وأنت في كوخ صغير.
أيّها الشاكي الليالي إنَّما الغبطةُ فِكْرَهْ
ربَّما اسْتوطَنَتِ الكوخَ وما في الكوخِ كِسْرَهْ
وخَلَتْ منها القصورُ العالياتُ المُشْمَخِرَّهْ
تلمسُ الغصنَ المُعَرَّى فإذا في الغصنِ نُضْرَهْ
وإذا رفَّتْ على القَفْرِ استوى ماءً وخُضْرَهْ
وإذا مَسَّتْ حصاةً صَقَلَتْها فهيَ دُرَّهْ
لَكَ، ما دامتْ لكَ، الأرضُ وما فوق المَجَرَّهْ
فإذا ضَيَّعْتَها فالكونُ لا يَعْدِلُ ذَرَّهْ
(إيليا أبو ماضي)
الخيال نعمة صارت عزيزة المنال في عالم متسارع الخطى واللهاث خلف مطالب وملذات الحياة، والاستسلام لوسائل التكنولوجيا والإعلام.
إنسان العصر المسكين، حاصرته مطالب العيش كداً وكدحاً، ثم أسلمته في وقت فراغه إلى حصار التكنولوجيا وأجهزة الإعلام.
يجلس في وقت فراغه أمام الهاتف والتلفاز، محاصر من جهاته الأربع بالصوت والصورة، ويترك أولاده نهباً لهذه الأجهزة يقتل فيهم الخيال ويربي فيهم الكسل الفكري.
كنا فيما سبق نسبح في عالم الخيال مع قصص وحواديت الجدات عن الشاطر حسن وذات الهمة والبساط السحري …
وكان المذياع يثير فينا خيال الأشكال التي نسمع أصواتها، والأحداث التي نسمع حكاياتها.
كانت عندنا فرصة النظر إلى السماء بعيدا عن الأضواء الصناعية، كانت السماء لنا سقفا للكون مزركشا بالنجوم والكواكب، وملهما للسفر بعيدا فوق حدود الأرض.
البعد عن النظر إلى السماء أبعدنا عن أسئلة الطفولة البريئة، الأسئلة التي تغوص في جوهر الإنسان وتسأل عن البدء والمسير والمصير.
ما أحوجنا للحظات من الخلوَة والتدبُر والتفكُر ترتفع فيها أقدامنا عن الأرض، ونُحَلِقُ بعيدا عن الجِلد المحيط بأجسادنا، ونذهبُ حيث يسير بنا الخيال، نُحَلِقُ معه إلى بلاد الأفراح؛ حيث لا أذن سمعت، ولا عين رأت، ولا خطر على قلب بشر.
Discussion about this post