يعدّ مؤتمر موسكو للأمن الدولي، واحداً من أهم وأبرز المؤتمرات والمنتديات السنوية العالمية، التي تناقش القضايا العسكرية والأمنية من وجهة رؤية، تختلف عما تقدمه الولايات المتحدة الأمريكية والمعسكر الغربي التابع لها.
فهو حدث تستضيفه روسيا، بهدف معالجة “مشاكل الاستقرار العالمي والإقليمي، فضلا عن مختلف جوانب الأمن في آسيا وإفريقيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وأوروبا” كما تعبر عن ذلك وزارة الدفاع الروسية.
وقد حضر النسخة الـ 10 منه هذا العام، أكثر من 700 ضيف تمت دعوتهم من وزراء دفاع وعسكريين وخراء وصحافيين ينتمون الى العديد من الدول مثل: الصين، إيران، سوريا، العراق، مصر، أذربيجان، فيتنام، فنزويلا، كوبا، وجنوب أفريقيا، وغيرها. ويتم إجراء هذا المنتدى بالتزامن مع المعرض العسكري التقني الدولي “Army 2022”.
وقد كانت فرصة لروسيا، لتثبت كذب ما تدعيه أمريكا وحلفائها، من تعرضها لعزلة دولية جراء عمليتها العسكرية في أوكرانيا، ولتؤكد بأن العالم يشهد ولادة نظام جديد لا مكان فيه للهيمنة الأمريكية، وهذا ما أكدت عليه العديد من الخطابات في المؤتمر، سنستعرض أبرزها: للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وزير الدفاع الروسي سيرغي شويغو، نائب رئيس الأركان المشتركة للقوات المسلحة الإيرانية العميد علي عبداللهي.
بوتين: الهيمنة الغربية سقطت مهما حاولوا انقاذها
_هكذا فعاليات ومؤتمرات تلقى المعارضة من نخب العولمة الغربية، التي تثير الفوضى، وتؤجج صراعات طويلة الأمد قديمة أو جديدة، لتخريب أي خيارات تنمية سيادية بديلة. وأنهم يفعلون كل ما في وسعهم للإبقاء على الهيمنة والقوة التي تنزلق من أيديهم، بحيث أنهم يحاولون الإبقاء على البلدان والشعوب في قبضة ما هو في الأساس نظام استعماري جديد. ويمكن تفسير هيمنتهم بأنها تعني الركود لبقية العالم وللحضارة بأكملها.
_تتدخل الولايات المتحدة وأتباعها بشكل صارخ في الشؤون الداخلية للدول ذات السيادة من خلال الاستفزازات، وتنظيم الانقلابات، أو التحريض على الحروب الأهلية، والهدف من ذلك هو الحفاظ على هيمنتها، وإلا فإنه لا يمكن ذلك إلا بالقوة.
_ هذه الأسباب دفعت الغرب الى تقويض نظام الأمن الأوروبي بشكل متعمد، عبر طرح تحالفات عسكرية جديدة، فالناتو يزحف شرقا ويبني بنيته التحتية العسكرية، كما يقوم بنشر أنظمة دفاعه الصاروخي ويعزز من القدرات الهجومية لقواته.
_ دول المعسكر الغربي بحاجة إلى صراعات للحفاظ على هيمنتهم، ولهذا السبب فقد قدروا أن يتم استخدام الشعب الأوكراني كوقود لذلك. وأمريكا التي تدير الصراع في أوكرانيا، تعمل بنفس الطريقة في أماكن أخرى، مما يؤدي إلى تأجيج الصراع المحتمل في آسيا وإفريقيا وأمريكا اللاتينية، وما حصل مؤخراً من محاولة متعمدة أخرى لإشعال النيران وإثارة الاضطرابات في منطقة آسيا والمحيط الهادئ. واتهم في هذا الصدد بأن زيارة رئيسة مجلس النواب الأمريكي نانسي بيلوسي الأخيرة الى تايوان، هي ليست مجرد رحلة يقوم بها سياسي غير مسؤول، ولكنها جزء من استراتيجية أمريكية هادفة ومدروسة تهدف إلى زعزعة استقرار الوضع وزرع الفوضى في المنطقة والعالم، معتبراً إياها استفزازاً مخططاً له بدقة.
_ الغرب يحاول من خلال هذه الإجراءات أيضاً، تحويل انتباه مواطنيه عن المشكلات الاجتماعية والاقتصادية الملحة، مثل انخفاض مستويات المعيشة، البطالة، الفقر، وتراجع التصنيع.
_ التأكيد على أن هذا العصر هو عصر النظام العالمي متعدد الأقطاب وليس عصر القطب الواحد، مهما حاولت الإدارة الأمريكية والدول الغربية إظهار عكس ذلك.
الوزير شويغو: بريطانيا وأمريكا يقودان أوكرانيا عسكرياً
أما وزير الدفاع الروسي “سيرغي شويغو”، فتميزت كلمته بأنها تضمنت معطيات ميدانية لما يجري في أوكرانيا، لا سيما بما يتعلق بإدارة بريطانيا وأمريكا مباشرة للميدان العسكري، وهذا أبرز ما جاء في كلمته:
_الوضع الأمني في أوروبا أسوأ مما كان عليه في ذروة الحرب الباردة، بحيث أصبحت الأنشطة العسكرية لتحالف الناتو أكثر عدوانية ومعادية لروسيا. فقد تم إعادة انتشار قوات أمريكية كبيرة في القارة، وتضاعف عدد قوات التحالف في أوروبا الشرقية والوسطى، حتى ما قبل حصول العملية الروسية في أوكرانيا.
_يواجه الجيش الروسي في أوكرانيا، قوى غربية مشتركة تدير قيادة ذلك البلد في حرب هجينة ضدها. بحيث يجري تعزيز توريد الأسلحة والمعدات العسكرية لأوكرانيا، وتدريب أفراد جيشها، ويتم تحويل موارد مالية ضخمة، للحفاظ على بقاء منظومة الحكم القومية.
_يتم تخطيط وتنسيق أعمال القوات المسلحة الأوكرانية من قبل المستشارين العسكريين الأجانب، كما يتم توفير بيانات الاستطلاع من جميع مصادر الناتو المتاحة. بالإضافة إلى أن المتخصصين الغربيين هم من يقومون بالإشراف على استخدام الأسلحة.
_لقد دحضت العملية العسكرية الروسية أسطورة “الأسلحة الفائقة” التي قدمها الغرب لأوكرانيا، والتي يمكن أن تغير بشكل جذري الوضع على الجبهة. انطلاقاً من أنظمة Javelin المضادة للدبابات، وصولاً الى منظومة HIMARS ومداف الهاوتزر.
_ تكذيب التكهنات التي تنتشر في وسائل الإعلام حول الاستخدام المزعوم للأسلحة النووية التكتيكية الروسية في العملية، فليس هناك حاجة لاستخدام الأسلحة النووية لتحقيق الأهداف، والغرض الرئيسي من الأسلحة النووية الروسية هو ردع هجوم نووي.
أما المزاعم حول احتمال استخدام أسلحة كيميائية فهي سخيفة، لأن روسيا قامت بتدمير هذه الأسلحة بشكل كامل في العام 2017 كجزء من التزاماتها الدولية، بعكس الولايات المتحدة الأمريكية. أما الاستفزازات بهذه الأسلحة، فقد أصبحت سمة مميزة لمنظمات المجتمع المدني التي يرعاها الغرب، مثل الخوذ البيضاء في سوريا.
_ تهدف هذه المعلومات إلى تشتيت الانتباه عن الحقائق المكتشفة في أوكرانيا، لجهة إجراء أمريكا أبحاثاً عسكرية وبيولوجية محظورة هناك.
_ انضمام السويد وفنلندا لحلف الناتو وتذرعهما بأن سبب ذلك كان للعملية الروسية هو غير صحيح، لأنهما متقاربين عملياً وباستمرار مع الناتو منذ سنوات عديدة، من خلال الرابطة الإقليمية NORDEFCO (لجنة التعاون الدفاعي لدول الشمال الأوروبي)، التي تشكل الفرع الشمالي لحلف شمال الأطلسي، والتي تعمل كغطاء لمشاركة هذه البلدان في أنشطة التدريب العسكري المشتركة.
العميد عبد اللهي: أمريكا الشيطان الأكبر
أما كلمة نائب رئيس الأركان المشتركة للقوات المسلحة الإيرانية العميد علي عبداللهي، فكانت لافتةً في مدى سقفها العالي ضد أمريكا، بالرغم مما يحكى عن أجواء إيجابية للغاية لإحياء الاتفاق النووي، مما يؤكد أن حصول ذلك من عدمه، لن يغير قيد أنملة في عقيدة إيران لا سيما العسكرية.
أما أبرز ما جاء الكلمة:
_ أحداث اليوم تؤكد ما كانت الجمهورية الإسلامية الإيرانية تحذر منه دائماً، عبر خطابات قادتها ومسؤوليها، من أن الأحادية والاستبدادية لأمريكا التي تقوض أمن العالم أكثر، لأن الحياة السياسية فيها والأمن القومي لها مرهون بخلق الأزمات والحروب والعقوبات.
_ما نشهده اليوم في أوكرانيا، حيث يُقتل الآلاف من العسكريين والمدنيين، هو نتاج خداع وتزوير من جانب الولايات المتحدة الأمريكية وإصرارها على الأحادية والهيمنة على العالم. وفي الوقت نفسه، يتم استخدام الناتو كأحد أدواتهم في هذا المجال.
_ تجربة عودة الشعب الإيراني إلى الدين على أساس الثورة الإسلامية، ساهمت في حصوله على الاستقلال والحرية والقدرة على مواجهة كل محاولات السيطرة والهيمنة الغربية.
_ أحداث اليوم تؤكد على انحدار وأفول الهيمنة الأمريكية على العالم، وفي نفس الوقت فإن الجمهورية الإسلامية مقتنعة بأن العالم على وشك أن يحدث فيه تغييرات كبيرة، التي تحتاج إلى ما يلي:
أولا: شراكة جميع الدول لحل المشاكل العالمية.
ثانيًا: الثقة بأن حل المشكلات الحقيقي والمشترك سيجعل العالم مكانًا أكثر عدلاً.
ثالثًا: العالم بحاجة إلى العدالة، ولم يعد هناك مجال لتقلبات الظلم وهيمنة نظام السلطة.
رابعاً: احترام استقلال الدول وسلامة أراضيها مبدأ إلزامي.
خامساً: رفض التدخل وفرض الآراء على الدول الأخرى.
سادساً: لم يعد هناك تسامح مع الآراء المتغطرسة والطوعية.
_ستبذل جمهورية إيران الإسلامية بدورها جهودًا لمقاومة سياسات القوة والغطرسة والنظام العالمي الجائر، بهدف إنشاء نظام جديد قائم على العدل والرفاهية لشعوب العالم، وخاصة في المنطقة الحساسة غرب آسيا، لأن هذه المنطقة لها تأثير كبير على تشكيل نظام عالمي جديد وعالم متعدد الأقطاب.
_ التأكيد على حق الشعب الفلسطيني في المقاومة وحق الشعب اليمني في رد العدوان عليه، ودعم الشعوب المظلومة ومحاربة الإرهاب والغطرسة بحزم، وعدم التراجع عن المبادئ التي سار عليها الشهيد الفريق قاسم سليماني.
Discussion about this post