فتحت العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا الأبواب على مختلف ساحات النفوذ المشتركة بين كل من روسيا والمعسكر الغربي. ولعل القارة الافريقية بما تتمتع به من موارد طبيعية ويد عاملة منخفضة الأجر، والتي لم تحظَ يوماً باستقرار سياسي واقتصادي، هي الساحة التي تشهد اليوم ان الوجود الغربي- الأميركي فيها بدأ يتراجع مع ما تحرزه موسكو من تقدم مهم دون ان يكون لها حضوراً عسكرياً وازناً فيها، وهو ما أثقل كفتها في الميزان.
تقول صحيفة “فايننشال تايمز” في افتتاحيتها، إن روسيا حققت تقدماً مهماً في القارة الإفريقية وهو أمر مقلق، ولو كان الغرب يريد مواجهة التأثير الروسي، فعليه تقديم شيء أفضل مما تقدمه موسكو. وبالتالي، فإن تحقيق الصين تقدماً اقتصادياً ودبلوماسياً وإستراتيجياً كبيراً في إفريقيا، ليس أمراً جديداً على أي شخص. إلا أن تحقيق روسيا هذا الإنجاز بدون أن تنفق ولا روبلاً واحداً هو أمر لم يلتفت إليه أحد.
على مدى العقد الماضي، بنت موسكو، وبوتيرة سريعة حضوراً ضخماً في الكثير من دول القارة الـ54 دولة، وبات تأثيرها حاضرا بقوة وبخبث.
وبدأت حملة روسيا الفولاذية قبل عقد من الزمان، عندما استخدمت العلاقات التي وطدتها أثناء الحقبة السوفييتية وأعادت تفعيلها. ويتم تذكر الاتحاد السوفييتي بحنين كبير في موزامبيق وأنغولا وجنوب إفريقيا؛ لأنها كانت على الجانب الصحيح من التاريخ، في وقت كان قادة الغرب يشجبون حركات التحرر بينهم نيلسون مانديلا، ويصفونها بالإرهابية.
وتحصد روسيا إنجازات سريعة بثمن قليل أو رأسمال سياسي، وتوفر الأسلحة والرقابة للأنظمة الجيدة وغير ذلك، مقابل الحصول على منفذ للشركات التي تعرف كيفية استخراج الذهب والمجوهرات بدون رقابة شديدة. ومثلت صفقات الأسلحة الروسية لأفريقيا نسبة 44% في الفترة ما بين 2017- 2021.
في آب/ أغسطس 2020 وعندما أطاح الجنرالات بالحكومة المدنية في مالي، ظهر المحتجون وهم يلوحون بالعلم الروسي وصور الرئيس فلاديمير بوتين. وأعلنت فرنسا “غير المحبوبة” في البلاد خلال آب/ أغسطس الماضي، عن سحب قواتها التي نشرتها في مالي منذ عام 2013، عندما أرسلت قواتها لكي تساعد حكومة باماكو على مواجهة الجهاديين. وتم توقيع اتفاقية مع فاغنر لحماية النظام العسكري والحفاظ على الأمن.
هذه الصورة تكررت في دول أخرى من ليبيا إلى السودان. وحتى القوى المتحالفة اسمياً مع الغرب تجد معادل قوة في موسكو. فقد تقرب رئيس اوغندا، يوري موسفيني، الذي يحكم أوغندا منذ 36 عاما إلى روسيا. ففي أثناء زيارة قام بها وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، قال موسيفيني إن “روسيا كانت معنا طوال المئة عام الماضية”.
وتتابع الصحيفة “بالنسبة للصين، فإن تأثيرها يظل رغم ما يقوله أعداؤها، إيجابياً. لكن هناك مخاوف من أن تجد بكين مصالحها متقاربة مع موسكو لمواجهة الدعاية الغربية المضادة. وعليه، فهناك واجب على أوروبا والولايات المتحدة لعرض شيء أفضل، وهذا يعني دعم المجتمعات المفتوحة، وتشجيع عمليات التحول في القارة من خلال نشر التصنيع والتخلص من الاعتماد على السلع غير المصنعة وهي نتاج الفترة الاستعمارية”. معتبرة ان الغرب عادة ما يتسم جهده بالقصور. فالتدخل العسكري في ليبيا ساعد على الإطاحة بمعمر القذافي، لكنه أطلق العنان لعاصفة في منطقة الساحل. ولا يوجد لدى أوروبا التي تحتاج للعمالة سياسة متماسكة من الهجرة. وعادة ما تدفع الشركات الغربية التي تعمل في مجال التنقيب، الرشاوى وتعمل على تخريب البيئة.
ويجب على الغرب أن يرفع من مستوى اللعبة، وعليه أن يلتفت وبشكل عاجل إلى القارة التي ستصبح بحلول عام 2050 مسكنا لواحد من كل أربعة يعيشون على الكرة الأرضية، ولو لم يفعل، فلن تتورع الصين وغيرها عن فعل المزيد، على حد تعبير الصحيفة.
خلال العقدين الماضيين، قامت موسكو ببذل جهود كبيرة ساعدتها في تحقيق وجود معتبر داخل الدول الأفريقية. وتوجّت قمة سوتشي هذه الجهود، عندما اتفق كل من القادة الأفارقة والروسي، على أهداف التعاون المتبادل على مختلف الأصعدة. مع توصلهم إلى صيغة محددة لاستكمال الحوار، تتمثل بعقد قمة بين الجانبين كل3 سنوات، في حين نتج هذه القمة توقيع عدد من الاتفاقيات.
تدرك روسيا ان تعزيز وجودها في غرب القارة الافريقية، يضعها في حالة تماس مباشرة مع حلف الأطلسي، في الساحل الشرقي للمحيط الأطلسي، وهو ما تعتبره الولايات المتحدة ومن خلفها الحلف، مساس بالأمن القومي لأخير. وبهذا، يمكن وصف ما يحدث بأنه تحدٍ جديد بين الجانبين تتعمد موسكو اثارته وفي هذا الوقت بالتحديد، حتى لا يقيّد الدب الروسي!
المصدر: الخنادق
Discussion about this post