مما لا شك فيه أنَّ ما يحدث في لبنان منذ عدة سنوات هو جزء من صراعات جيوسياسية دولية مرتبطة بشكل مباشر بمستقبل مشاريع الغاز في العالم. وإذا نظرنا الى منطقة الشرق الأوسط نجد أنها ممر إلزامي تجاه القارة العجوز (أوروبا) والتي تعتمد بشكل رئيسي على الغاز. وهنا لا بد من أن نتذكر أنَّ الصراع الذي نشب في سوريا لم يكن محض صدفة، كما أنَّ احتلال العراق لم يكن كذلك، وظهور مجموعات متطرفة تدّعي الإسلام بظروف متعددة لم يكن صدفة، وقد يكون أهمها تنظيم “فتح الاسلام” الذي تمركز في نقطة استراتيجة بالنسبة لخط الغاز العربي الذي يذهب من حمص تجاه طرابلس اللبنانية.
واذا ما نظرنا الى فلسفة الولايات المتحدة الأمريكية في مشروع خط أنابيب “نابوكو”، وقتلها لمئات آلاف السكان في سبيل فرض سيطرتها على امدادات الغاز تجاه اوروبا، لفهمنا أن الاستراتيجية الامريكية في مواجهة ايران وروسيا هي أساسًا مرتبطة بقدرة هذه الدول على التحكم بالجغرافيا والسوق لموارد الطاقة ومن أهمها الغاز.
أما لبنان، فهو نقطة صراع أساسية عجزت جميع محاولات الولايات المتحدة الأمريكية عن كسره، ولكن لا يمكن أن ننكر أنها مستمرة بمحاولاتها، بالتالي يجب أن لا نغفل عن هذا الأمر. وفي هذا الاطار، فرضت بعض دول الخليج العربي مع العدو الصهيوني طوقًا اقتصاديًا مدمرًا للبنان، وهذا الدمار مقصود لأن القرار الأوحد لدى تحالف العدو الاسرائيلي مع بعض دول الخليج هو عدم السماح للبنان بأن يستغل كميات الغاز الحقيقية وغير المعلنة لديه.
سنحاول في هذه الدراسة التحليلية لحقول الغاز في لبنان ان نقدم عرضًا لمقاربة فيها مقارنة جيولوجية حول أهم حقول الغاز المكتشفة في العالم، وأوجه الشبه بينها وبين حقول الغاز المفترضة في المياه الاقليمية اللبنانية.
في المقاربة التي سنستعرضها هنا، سنتناول طبيعة أهم ثلاثة حقول غاز في العالم وتشابهها مع المياه الاقليمية اللبنانية، مع العلم أن طبيعة المياه الاقليمية اللبنانية تضاهي طبيعة الحقول الثلاثة المستعرضة، دون أن ندخل في تفاصيل خارجة عن إطارنا في المقاربة المطروحة وتحتاج إلى أهل اختصاص وتقنيات عالية الدقة لتثبيت النظرية التي نطرحها.
* حقل غاز الشمال في المياه الاقليمية بين الجمهورية الاسلامية في ايران وقطر
يقع حقل غاز الشمال في المياه الاقليمية بين الجمهورية الاسلامية في ايران وقطر. ويأتي الحقل ضمن الخليج الموجود خلف مضيق هرمز، وهنا المقاربة تكمن بأنَّ هذه المنطقة تشكلت في حدود الحقبة الوسطى والحقبة المعاصرة، أي منذ قرابة ٦٠ مليون سنة.
في المقابل، تعود تركيبة جزء من الصخور الكربونية في لبنان الى قرابة ٢٠٠ مليون سنة، مما يجعل امكانية أن تكون الحقول المكتشفة في هذه المنطقة أغنى من تلك الموجودة بين قطر وإيران.
بالنسبة لمقاربة عمق المياه الاقليمية اللبنانية وبعدها عن مضيق جبل طارق، بالاضافة الى التقديرات الجيولوجية لتأسيسها نجد أنها تأسست منذ ٢٠٠ مليون سنة مقابل ٦٠ مليون سنة للبقعة المائية التي يتواجد فيها حقل الشمال.
* “أورنغوي” و”يامبورغ” في روسيا في حوض شمال غرب سيبريا
يُعتَبر حقلا “أورنغوي” و”يامبورغ” ثاني وثالث حقول الغاز في العالم، ولديهما مخزون يفوق الـ١٠ ترليونات متر مكعب من الغاز في كل حقل. وكما تظهر الخريطة فإن الحقلين يقعان في بقعة تعود الى العصر الجوراسي الاوسط منذ قرابة ١٦٥ مليون سنة، أي بعد حقبة تأسيس منطقة شرق المتوسط التي كما سبق وذكرنا تأسست منذ ٢٠٠ مليون سنة.
في هذه المقارنة التحليلية التي قدمناها حول أهم ٣ حقول للغاز في العالم وفي مقارنة للتركيبة الجيولوجية التي تعتبر الأساس في اكتشافات الغاز في العالم، نجد أن موقع لبنان الجغرافي وتركيبته الجيولوجية هي الأهم في العالم وتعود الى ٢٠٠ مليون سنة.
بالعودة إلى حقيقة المسوحات التي يُقال إنها قد أجريت سابقًا، فيُمكننا القول إن جميع المسوحات على مستوى العالم تأتي بنتائج أولية مغايرة جدًا للواقع وتتطور بشكل تدريجي. وفي العام 2010 نشرت ادارة المسح الجيولوجي في الولايات المتحدة تقريراً عن ثروة الغاز والنفط في الحوض الشرقي للمتوسط تتضمّن التقديرات في المنطقة الممتدة من جنوب تركيا شرقاً وحتى المياه الاقليمية المصرية غرباً. والتقديرات المنشورة لمساحة توازي 83 الف كيلومتر مربع في المياه الاقليمية في البلدان المعنية، منها 22 ألف كيلومتر مربع خاصة بلبنان. هذه المساحة تحتوي على 122 تريليون قدم مكعب من الغاز الطبيعي ونحو 1,7 مليار برميل من المكثفات أي المنتجات النفطية السائلة الخفيفة.
من المرجح أنه عند بدء عمليات الحفر في البلوكات الموجودة في المياه الاقليمية اللبنانية ستكون هناك مفاجآت قد تكشف أن لبنان يمتلك أحد أكبر حقول الغاز في العالم.
Discussion about this post