أما وقد غادر آموس هوكستين، الوسيط الأميركي لترسيم الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، مرتاحاً ومسروراً من لبنان على إيجابية وجدها عند مسؤوليه، فقد بقي عليه أن يبذل جهداً لدى الجانب الإسرائيلي، في محاولة لإقناعه بالموقف اللبناني والقبول بطرحه حيال نقاط الترسيم البحري.
هي خلاصة كشفها بنية صادقة مصدر على صلة وعلى بينة بملف المفاوضات… فهل سننتظر طويلاً؟
ما حصل عليه لبنان حتى الآن هو إحداثيات خطّ العوامات. أما ما هو أهم من العوامات، فيبدو أن مقتضيات عديدة إقليمية ودولية هي التي ستحسم الأمر. وإلى ذلك، لا داعي لإتلاف الأعصاب التي ستجرّ علينا وجع رأس دائماً… فلنؤجر التفكير لسوانا، فترتاح أعصابنا، وتشفى رؤوسنا، لننصرف إلى توظيفها واستثمارها في استحقاق آتٍ يحتاج الى أدرنالين دستوري عالٍ، وإلى عوامات من نوع آخر.
العائدون من واشنطن يخبرون أنَّ “ثوار” لبنان في الخارج هم خليط قواتي وكتائبي وأحراري، ومن 14 آذار القدامى والجدد، وهيئات ومنظمات غير حكومية، يعملون مع هيئات أميركية وشخصيات – فاعلة أو على صلة أو سماسرة مواعيد لا هَمّ – ومع دوائر القرار الأميركي، ينشطون وجامّ اهتمامهم انتخابات رئاسة الجمهورية في لبنان والإتيان برئيس منهم أو يشبههم.
يقولون إنَّ عدداً من الشخصيات المارونية زارت واشنطن، وتم حجز مواعيد لها، مع موظفين في البيت الأبيض أو أعضاء فيه، وغالبيتهم عبر مكاتب تسويق سياسي، ومنهم بفضل علاقات سبقت مع أحد أفراد أسرهم ممن تولوا مسؤوليات في لبنان، وكانت لهم علاقات “مميزة” مع زائرين من بلاد العم سام، من سفراء أو عاملين في سفارة الولايات المتحدة في عوكر (بلدة شمال شرق بيروت، حيث مقر السفارة الأميركية).
لكلِّ الزائرين حظ ونصيب، وربما يصيب ما دام الأمل موجوداً… بوعود “تحجيم” حزب الله، ونزع سلاحه، ورفع “الاحتلال” الإيراني، دمج النازحين السوريين، وتوطين الفلسطينيين، والتطبيع مع الإسرائيليين… وصولاً ربما إلى زواج المثليين.
سيجهد “اللوبينغ” اللبناني، إذا صح التعبير، وبالتنسيق مع سلالتهم الأم في لبنان، لتحقيق انتصار في هذا الاستحقاق الرئاسي، وذلك عبر جمع الشمل وتوحيد الجهد والموقف والكلمة، وبالصوت الواحد، لمرشح واحد مضمون الفوز.
من هو صاحب الحظ؟ إلى اليوم، يتم التداول باسمي النائب ميشال معوّض والنائب نعمة افرام. وقد دخلت على الخط مؤخراً الأكاديمية مي الريحاني، التي رشحها في باكورة التداول باسمها أحد الإعلاميين السابقين. وحالياً، يتم تصنيفه أنه من صقور انتفاضة الرابع عشر من آذار قبل نحو 17 عاماً إلى الوراء، وهي، أي الريحاني، لم تخيّب الأمل، فأقدمت على طرح برنامجها الرئاسي في الآونة الأخيرة من فندق البستان على تلة بيت بري شرق بيروت، لتلاقي صدى نظيرتها التي سبقتها إلى الترشيح، تريسي داني شمعون، التي عقدت مؤتمراً من فندق في بيروت، بعدما كانت طلبت دعماً من قائد المدانين باغتيال عائلتها؛ رئيس التكتل المسيحي الثاني (تكتل الجمهورية القوية).
المسبحة حتماً ستكرّ إلى أن تستقر إحدى حباتها على مرشح أو مرشحة جديين ليوم الاستحقاق، وإن كان القواتيون يمنّون النفس أن تكون سيّدتهم الأولى عقيلة قائدهم وملهمته السيدة ستريدا جعجع.
في المقلب الآخر، في جبهة 8 آذار، مرشحون طبيعيون، يرصدون كلّ حركة وكلّ نبذة شفة للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، أو أي شخصية من الحزب تفكّ الأحجية: سليمان فرنجية أو جبران باسيل! حتى يبدأ في ضوئها واحد منهم التحرك.
يبقى قائد الجيش الَّذي له مرشحوه، كرئيس تسوية لا تحدٍ، يعزز وصوله توافق دولي إقليمي على توقيت ظرف اللحظة. وهناك مرشحون من طينة من يتطلَّع إلى تبنّيه وتشغيله عند كتلته، ومنهم المتلبسون شخصية الممثل الدرامي التلفزيوني أبو ملحم البارع في المسايرة والذي لا يزعج أحداً، ودوره شبيه بالناطور “اللي ما شفش حاجة”.
أما أبرز المرشحين، فهو الفراغ وخلو سدة الرئاسة الأولى، فكلا الفريقين اللذين يتقاسمان تقريباً المجلس النيابي ليسا قادرين على تأمين ثلثي الأصوات التي يتشكل منها المجلس للفوز بالدورة الأولى، وبالتالي سيكون الفائز محتاجاً إلى الفوز بالنصف زائد واحد بالدورة الثانية، لكن المشكلة ستكمن في تأمين النصاب القانوني لانعقاد جلسة الانتخاب، وهي ثلثي الأعضاء، وبالتالي لا أحد مستعد لتأمين النصاب لفوز خصمه، فقوتان قادرتان على التعطيل لا تنتجان إلا الفراغ… وأمام الفراغ، تتنقل الصلاحيات تلقائياً إلى الحكومة… وهو فراغ عايشه اللبنانيون في أكثر من استحقاق وما زال يجد من يترحم عليه.
وأخيراً، هناك كثيرون يترقبون ما سيقدم عليه الرئيس الحالي للجمهورية العماد ميشال عون ليل 31 تشرين الأول/أكتوبر، تاريخ انتهاء الولاية، ما لم يكن للبنان رئيس جديد.
رغم تأكيد الرئيس أكثر من مرة أنه سيغادر إلى منزله الجديد في الرابية (شمال شرق بيروت) التي باتت تشكل رمزاً لمناصريه العونيين، فإن نسائم قد تغيّر مجرى وجهته، تستشف من تصاريح باح بها مؤخراً: “سأغادر القصر الجمهوري إذا كان يوم 31 تشرين الأول طبيعياً”.
ولكن يبقى السؤال الذي يتحدد المصير الكبير في ضوئه: ماذا لو لم يكن يوم 31 تشرين الأول يوماً طبيعياً؟
Discussion about this post