قبل شغور سدّة الرئاسة اللبنانية، وانتهاء عهد الرئيس السابق العماد “ميشال عون”، بدأ رئيس المجلس النيابي اللبناني الرئيس “نبيه بري” إلى الدعوة إلى جلسات من أجل انتخاب رئيساً للجمهورية اللبنانية، ورافق ذلك بعض وجهات النظر التي يمكن وضعها تحت خانة المزايدات السياسية، في وجه رئيس البرلمان “نبيه بري”، بشأن نصاب انعقاد جلسة انتخاب رئيساً للجمهورية اللبنانية، ومازالت هذه الجلسات تعقد بدعوة رئيس البرلمان مع انتهاء الولاية الدستورية للرئيس عون في 31 تشرين الأوّل 2022.
كان للمسات “بول سوشييه” الباحث في القانون الدستوري والمتبوئ لمسؤولية حكومية رفيعة المستوى، الدور البارز في وضع الدستور اللبناني لعام 1926، حيث ساعد بشكلٍ فعلي بوضع الدستور حيث اعتبر العديد من فقهاء القانون الدستوري ومن ضمنهم الفقيه “إدمون رباط” بأنّ “سوشييه” هو المؤلف الفعلي للدستور اللبناني، حيث كان “سوشييه” يعمل بجدّ ودون كلل في السعي إلى تكييف دستور الجمهورية الثالثة الفرنسية مع بعض التطلعات في دولة لبنان الكبير، وبقي الجدال قائماً على الجهة التي وضعت الدستور اللبناني لعام 1926، وما هو حجم تأثير دستور الجمهورية الثالثة الفرنسية لعام 1875 على الدستور اللبناني لعام 1926.
لقد قمنا بهذا التقديم التاريخي لنصل إلى شرح نصّ المادة (49) من الدستور اللبناني لعام 1990، والمتعلقة بنصاب جلسات انعقاد انتخاب رئيس للجمهورية، وحجم الأصوات المطلوب فيها.
بدايةً سننطلق من الدستور اللبناني لعام 1990، وخصوصاً نصّ المادة (49) منه، ومقارنتها مع النصّ الفرنسي الأصلي من دستور الجمهورية الثالثة الفرنسية.
حيث نصّت المادة (49) من الدستور اللبناني لعام 1990 على أنّ: “… ينتخب رئيس الجمهورية بالاقتراع السري بغالبية الثلثين من مجلس النواب في الدورة الأولى، ويكتفى بالغالبية المطلقة في دورات الاقتراع التي تلي…”.
وبالعودة إلى أصلها باللغة الفرنسية من دستور الجمهورية الثالثة الفرنسية لعام 1875، فجاء مضمونها كالتالي:
« Le président de la Républic est élu au scrutin secret à la majotité des deux tiers des suffrages, par le Sénat et la Chambre des Députés réunis en congrès. Après le premier tour de scurtin, la majorité suffit ».
وبالتالي ما يستنتج من هذه المادة بأصلها الفرنسي، أنّ المطلوب هو أنّ الغالبية المطلقة هي ثلثي الأعضاء من مجموع أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب في ذلك الوقت، وبالغالبية المطلقة بالدورات التي تلي الجلسة الأولى المنعقدة في اليوم ذاته. وإذا قمنا بتفصيل ذلك يتبين لنا:
1 الغالبية المطلوبة لانتخاب رئيس للجمهورية؛
2 والنصاب القانوني المطلوب لعدد النواب من أجل الانعقاد القانوني لجلسة انتخاب الرئيس الأولى والدورات التي تليها.
وبالعودة إلى عدد النواب الذين تشكّل منهم المجلس النيابي اللبناني هو 128 نائباً، وبالتالي يكون النصاب القانوني لانتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية يتمّ بحضور 86 نائباً من أصل 128 نائباً. وبالتالي لكيّ يتمّ انتخاب رئيس للبلاد من الدورة الأولى عليه أنّ يحصل على 86 صوتاً.
وفي حال بقي النصاب ذاته في الدورات التي تلي الجلسة المنعقدة في نفس اليوم ألّا وهو 86 نائباً، وتمّ إجراء الدورة الثانية يصبح من يحصل على 65 صوتاً رئيساً للجمهورية اللبنانية.
وأخيراً إنّ ما يميز الأنظمة الديمقراطية، هو في وجود إرادة شعبية تتمثّل من خلال الممثلين في المجلس النيابي، وهذا ما ينطبق على المجلس النيابي اللبناني على الرغم من وجود تقاسم طائفي لمقاعده، وهذا ما يدفعني إلى القول كباحث سياسي ودستوري، أنّ ثلثي أعضاء المجلس ( 86 نائباً) من العدد الفعلي للمجلس النيابي (128 نائباً) مطلوب دائمًا لانعقاد جلسات انتخاب رئيس الجمهورية اللبنانية إنّ في الجلسة الأولى أمّ في الدورات التي تليها مباشرة، وذلك حفاظاً على الميثاقية، أيّ ميثاقية العيش المشترك بين المسلمين والمسيحيين.
ومنعاً من قيام ديانة واحدة عبر ممثليها بتأمين النصاب وانتخاب رئيس من جهة واحدة (وتجدر الإشارة إلى أنّ الديانة قد تكون الإسلامية أو المسيحية). وأمّا بالنسبة لعدد الأصوات المطلوب لانتخاب رئيس للجمهورية فهو في الجلسة الأولى 86 صوتاً، وفي الدورات التي تلي هو 64 صوتاً، في حال تأمين النصاب، وبالتالي يكون ذلك دفعاً نحو المشاركة من قبل كلّ الطوائف في عملية انتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية.
نافلة القول، إنّ الإجراءات التي يعتمدها رئيس المجلس النيابي الرئيس “نبيه بري”، هي متوافقة مع الدستور ومنسجمة مع ميثاق العيش المشترك.
Discussion about this post