الأزمة هي حالة أو موقف تتجه فيه العلاقات بين طرفين أو أكثر نحو المواجهة بشكل تصعيدي نتيجة
لتعارض بينها في المصالح أو الأهداف أو الصلاحيات، أما ادارة الأزمات فانها تتطلب سلسلة من
الاجراءات الهادفة للسيطرة على الأزمات والحد من تفاقمها حتى لا ينفلت زمامها. وبذلك تكون الادارة
الرشيدة للأزمة هي تلك التي تضمن الحفاظ على المصالح الحيوية للدولة وتؤمن حمايتها. وانطلاقا من
ذلك سنحاول أن نبين مدى قدرة رئيس الجمهورية في لبنان على ضبط الأزمات اللبنانية وتأمين حماية
الشعب والدولة.
والبحث في هذا الموضوع يتطلب تبيان الأزمات اللبنانية وطبيعتها.
1. أزمة كيان ونظام
عانى لبنان من أزمة مزمنة ذات طبيعة داخلية عميقة الجذور، إنها أزمة كيان عجز عن أن يشكل إطاراً
لوحدة حقيقية تمكن لبنان من الانتقال من صيغة فيدرالية الطوائف إلى صيغة الوطن الموحد ؛ وهي أيضا
أزمة نظام سياسي عجز، منذ قيامه، عن حل مشكلة التفاوت في الحقوق والسلطة بين شتى طوائفه
وجماعاته، وعن ضبط الصراعات لمنع تحولها إلى فتن وحروب أهلية. وبتعبير آخر عجز النظام اللبناني"
المسمى نظام ديمقراطي" عن لعب دور صمام الأمان الذي تقوم به المؤسسات الديمقراطية الحديثة لتدارك
أي مشكلة قد تتطور الى أزمة مستعصية.
نتيجة لهذه الأزمة ولهذا العجز بقي مصير لبنان مطروحا على بساط البحث حيث لا زال اللبنانيون أنفسهم
يعيدون طرح التساؤلات المصيرية التي اعتقدوا أنهم أجابوا عليها منذ زمن طويل.
2. الدستور والصيغة الطائفية
إن النظام السياسي اللبناني، منذ الاستقلال ، لا يحكم بدستوره فقط، بل هناك المواثيق، والصيغة الطائفية
التي تدل على الاتفاق الضمني بين الطوائف على تقاسم السلطة والمراكز في الإدارات والمؤسسات العامة
تبعاً لمعايير عددية واقتصادية واجتماعية وتاريخية وسياسية. واستنادا لهذه الصيغة أسندت رئاسة
الجمهورية للموارنة، ورئاسة الحكومة للسنة، ورئاسة المجلس النيابي للشيعة.
إن تقاسم السلطة المبني على الصيغة الطائفية ارتد سلبا على الدستور وذلك لأنه جعل من المحال على
رئيس السلطة التشريعية، مثلا، بما هو رأس سياسي لطائفة أن يمتنع من التدخل لمصلحة طائفته في عمل
السلطة التنفيذية رغم النص في الدستور على فصل السلطات. كما أن هذه الصيغة تؤدي إلى وقوف رأسي
السلطة التنفيذية، لأنهما رأسان سياسيان لطائفتين، أحدهما في وجه الآخر، وتدخلهما في تجاذب متكرر
تراوح نتائجه ما بين تأخير الحلول أو تجميدها وبين مقايضة بين قرار يرجح كفة بقرار يرجح كفة أخرى.
3. القرار السياسي في لبنان
انطلاقاً من هذه البنية نجد أن القرار السياسي في لبنان هو قرار جماعي توافقي، وان اختلف التأثير في
فرض القرار بين الزعماء بحسب موقعهم في السلطة، الا أنه يصدر نتيجة المساومات بين القوى الفاعلة،
وغالباً ما يأتي كتسوية بين الآراء المتضاربة، وبالتالي فهو لا يعالج المشكلات معالجة جذرية، وإن رفض
أي طرف من الأطراف الأساسية لهذا القرار يؤدي إلى تجميده ، أو يخرج الرافضون الممثلون في
الحكومة على مبدأ التضامن الوزاري. ونتيجة لهذا الوضع تغيب التعديلات الدستورية الجادة وتتحول
الحياة السياسية إلى عمليات تجاذب ومساومات تمارسها الجماعات المذهبية لتحقيق بعض المكاسب، ولو
أدى ذلك أحيانا إلى خصومات حادة قد تنتهي باستخدام القوة المسلحة.
إن دستور الجمهورية الأولى أخذ بمبدأ ثنائية السلطة الاجرائية التي يستند اليها نظرياً النظام البرلماني،
ولكنه أعطى الاولوية في الاختصاص الى رئيس الجمهورية الذي يدير اللعبة السياسية، جاعلا من
الوزراء مجرد معاونين له. ولذلك لم يكن رئيس الحكومة شريكا فعليا لرئيس الجمهورية في السلطة.
وعمليا يكتفي رئيس الحكومة بالتوقيع على المراسيم الرئاسية، فالتوقيع لا يعني سلطة قرار بل يعني سلطة
مشاركة في القرارالذي تنحصر المبادرة في اتخاذه برئيس الجمهورية. ومع تطبيق وثيقة الوفاق الوطني
واقرار التعديلات الدستورية تحولت الثنائية الاجرائية من ثنائية يسيطر فيها رئيس الجمهورية الى ثنائية
لمصلحة مجلس الوزراء الذي يضع السياسة العامة للدولة.
و صفوة الكلام انه لا خلاص للبنان الا بقيام دولة القانون التي يتساوى أمامها المواطنون في الحقوق
والواجبات دون تمييز بينهم. فالسلطة الملتزمة حدود القوانين تكتسب شرعية فتزداد قوة وفاعلية. ودولة
القانون هي التي تنظم العلاقات بين المواطنين، وبينهم وبين الدولة، وبين مؤسسات الدولة، في اطار قواعد
دستورية تحدد اختصاصات السلطات الدستورية والعلاقات فيما بينها، بحيث تحول دون تجاوز كل سلطة
للحدود المرسومة لها، حفاظا على استقرار النظام وصونا لحقوق الأفراد وحرياتهم . ولتقوم دولة القانون
يلزمها قوى وكتل منظمة وفاعلة تعمل على توحيد الرؤى الوطنية نحو مفهوم جديد للدولة.
Discussion about this post