بعد مالي وبوركينا فاسو، سقطت النيجر بيد الانقلابيين المعادين لفرنسا، المستعمر القديم – الحديث التقليدي لهذه الدول. وهي انقلابات يسمع صداها في الغرب الذي طالما اعتبر الساحل الإفريقي مركز نفوذ له، ولكنه بدل أن ينعى ما خسره من موارد للنهب، فإن ينعى الديموقراطية في تلك البقاع. فيحضر إلى الذهن عندما سوّق الغرب تدخّل الناتو لإسقاط الدولة الليبية انتصارًا للديموقراطية، ثمّ استباح النفط الليبي بلا مقابل لصالح شركة توتال. خاصة أنّ وكالة فرانس برس نقلت أن ضباط الانقلاب في النيجر يتهمون فرنسا بالسعي للتدخل عسكريًا في النيجر.
مع سقوط الدولتان المحيطتان بالنيجر في أيدي الحكومات العسكرية المعادية للغرب، ودخول قوات فاغنر الروسية إليهما لحفظ الأمن كما هو الحال في الدول الإفريقية ما عدا الساحل الغربي، كانت فرنسا تحرص على إبقاء النيجر وهي واحدة من أفقر البلدان على وجه الأرض، وفقًا لـ مؤشر الأمم المتحدة للتنمية البشرية، تحت قبضتها، خاصة أن ما يقارب 35% من اليورانيوم المستخدم في المفاعلات الفرنسية يأتي من النيجر. وفي مقابل فتات الدعم المادي والكثير من الدعم العسكري، وافقت النيجر على استضافة قواعد عسكرية غربية والمساعدة في وقف تدفق الأشخاص الذين استخدموا صحاري النيجر الشاسعة كنقطة عبور في طريقهم إلى أوروبا. وبسبب المشاعر المعادية للفرنسيين في معظم أنحاء المنطقة، أصبحت باريس ترى في النيجر “شريك الملاذ الأخير”.
الرئيس السابق خلف بازوم الذي ينتمي إلى أقلية عربية لم تكن قاعدته السياسية صلبة، كما كان يريد أن يعتقد الغرب. وقد دخل في صراع متزايد مع الموالين للحكومة السابقة. جتى انقلب عمر تشياني، رئيس الحرس الرئاسي، وظهر أفراد من الجيش على شاشة التلفزيون في نفس المساء للإعلان عن انقلاب. وبحلول يوم الجمعة 28 تموز يوليو 2023، أعلن تشياني نفسه رئيسًا للمجلس العسكري.
“النيجر هي آخر أحجار الدومينو التي تسقط”، قال كاميرون هدسون، مسؤول سابق في وكالة المخابرات المركزية يعمل الآن في مركز الدراسات الاستراتيجية الدولية. “تبدو الخريطة غير مواتية حقًا للمصالح الغربية في الوقت الحالي. موقفنا بأكمله في المنطقة معرض للخطر. ويشكل التغير الحاد في الظروف معضلة للزعماء الغربيين”. وقال إبراهيم يحيى، خبير الساحل في مجموعة الأزمات البحثية، “إن التحرك بقوة لعزل المجلس العسكري من خلال العقوبات – كما حدث في مالي وبوركينا فاسو – يخاطر بدفع القادة الجدد نحو موسكو”. في مالي، بعد انقلاب عام 2021، طرد النظام الجديد القوات الفرنسية ووقع عقدًا مع مجموعة مرتزقة فاغنر. وقال يحيى “على الدول الغربية أن تجد سبلا للتعاون مع هذه الدول فقط من أجل عدم دفعها إلى الجانب الآخر وهو روسيا”. وقد عكس مشهد النيجريين وهو يلوحون بالأعلام الروسية مشاهد مماثلة في بوركينا فاسو المجاورة العام الماضي. بالطبع لم يجرؤ أحد على اتهام الكرملين بأنه وراء الانقلاب، لكن صحيفة نيويورك تايمز رأت أنها ترمز إلى الكيفية التي وضعت بها روسيا نفسها كحامل لشعلة المشاعر المعادية للغرب، وخاصة لفرنسا.
بالنسبة للولايات المتحدة وحلفائها، تحججت بالانقلاب لإثارة أسئلة حول القتال ضد “الجهاديين” في منطقة الساحل، وهي المنطقة شبه القاحلة الشاسعة حيث تنتقل الجماعات المرتبطة بتنظيمي القاعدة والدولة الإسلامية من الصحراء نحو البحر. ويتداخل جزء كبير من منطقة الساحل مع الحزام الانقلابي الجديد.
“أنا قلق للغاية من أن أفريقيا الساحلية سوف تذوب”، قال بول كولير، أستاذ الاقتصاد والسياسة العامة في كلية بلافاتنيك للإدارة الحكومية في أكسفورد. فحتى الأسبوع الماضي كانت النيجر حجر الزاوية في استراتيجية البنتاغون الإقليمية. ويتمركز ما لا يقل عن 1100 جندي أمريكي في البلاد، حيث بنى الجيش الأمريكي قواعد للطائرات بدون طيار في نيامي ومدينة أغاديز الشمالية، واحدة بتكلفة 100 ملايين دولار. والآن، كل ذلك في خطر.
وزير الخارجية أنتوني بلينكن حذّر من أن الولايات المتحدة قد تنهي دعمها المالي وتعاونها الأمني للنيجر إذا لم يتم إعادة بازوم إلى منصبه كرئيس. على الرغم من أن المسؤولين يقولون إن الولايات المتحدة ستكون مترددة في الذهاب إلى هذا الحد. وقال: “من الواضح أن المساعدة الكبيرة جدا التي لدينا – والتي تحدث فرقا ماديا في حياة شعب النيجر – في خطر”. وقد أبلغنا ذلك بأكبر قدر ممكن من الوضوح إلى المسؤولين عن تعطيل النظام الدستوري”.
Discussion about this post